ترجمة الإمام
قال الشاطبي :
بالكوفة الغرَّاء منهم ثلاثةٌ
أذاعوا فقد ضاعت شذاً وقرنفلا
فأما أبو بكر وعاصم اسمه
فشعبةٌ رواية المُبرِّزُ أفضلا
وذاك ابن عياشٍ أبو بكرٍ الرضا
وحفصٌ وبالإتقان كان مفضلا
وصفت الكوفة بذلك لما فيها من كثرة العلماء .
أذاعوا أي نشروا العلم بين الناس .
وضاعت : أي فاحت رائحة العلم بها .
والشذا : العود أو المسك .
والمبرز : هو الذي فاق أقرانه ، أي إن في الكوفة المشهورة
ثلاثة من الأئمة السبعة بثوا علمهم فيها فتعطر بها ذكرهم ، ورفع من شأنها
علمهم ، فالإمام الأول من الثلاثة هو عاصم بن أبي النجود .
اسمه : عاصم بن أبي النجود بفتح النون وضم الجيم ، وقيل اسم أبيه عبد
الله .
وكنيته : أبو النجود . واسم أُم عاصم بهدله . ولذلك يقال له عاصم بن بهدله
.
كنيته : أبو بكر وهو أسدي كوفي .
وفاته : توفي سنة سبع وعشرين ومائة بالكوفة .
من القراء سبعة : شيخ الإقراء بالكوفة بعد أبي عبد الرحمن السلمي ، جمع
بين الفصاحة والإتقان ، وكان أحسن الناس صوتاً .
رحل إليه الناس للقراءة من شتى الآفاق ، جمع بين الفصاحة ، والتجويد ،
والإتقان ، والاتفاق والتحرير .
قال أبو بكر بن عياش : وهو شعبة : لا أُحصي ما سمعت أبا إسحاق السبيعي
يقول : ما رأيت أحداً أقرأ للقراءة من عاصم بنَ أبي النجود ، وكان علماً
بالسنة لغوياً نحوياً فقيهاً .
قال يحيى بن آدم : حدثنا حسن بن صالح قال : ما رأيت أحداً قط أفصح من عاصم
إذا تكلم كاد يدخله خيلاء .
وقال أبو بكر بن عياش : قال لي عاصم مرضت سنتين فلما قمت قرأت القرآن فما
أخطأت حرفا .
وقال حماد بن سلمة : رأيت حبيب بن الشهيد ، ورأيت عاصم بن بهدله يعقد أيضاً
ويصنع مثل صنيع شيخه عبد الله بن حبيب السلمي .
سئل أحمد بن حنبل عن عاصم فقال : رجل صالح خير ثقة .
ووثقه أبو زرعة وجماعة .
وقال أبو حاتم : محله الصدق وحديثه مخرَّج في الكتب الستة .
هو تابعي جليل ، فقد حدث عن أبي رمثة رفاعة التميمي ، والحارث بن حسان
البكري ، وكان لهما صحبة .
أما حديثه عن أبي رمثة فهو في مسند الإمام أحمد بن حنبل ، وأما حديثه عن
الحارث فهو في كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام .
قال شعبة : دخلت على عاصم وقد احتضر فجعلت أسمعه يردد هذه الآية : « ثم
ردّوا إلى الله مولاهم الحق » يحققها كأنه في صلاة لأن تجويد القرآن صار
فيه سجية .
قرأ عاصم على أبي عبد الرحمن السلمي ، وعلى زر بن حبيش بن حباشة ، وعلى
أبي عمرو سعد بن إلياس الشيباني .
وقرأ هؤلاء الثلاثة على عبد الله بن مسعود ، وقرأ زر والسلمي أيضاً على
عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب .
وقرأ السلمي أيضاً على أُبي بن كعب وزيد بن ثابت ، وقرأ ابن مسعود وعثمان
وعلي وزيد على رسول الله صلّى الله عليه وسلم .
أشهر من روى قراءته
روى القراءة عنه ، حفص بن سليمان ، وأبو بكر شعبة بن عياش وهما أشهر
الرواة عنه ، وإبان بن تغلب ، وحماد بن مهران الأعمش ، وسهل بن شعيب ،
وأبو المنذر سلام بن سليمان ، وشيبان بن معاوية وخلق لا يحصون .
وروى عنه حروفاً من القرآن أبو عمرو بن العلاء ، والخليل بن أحمد ،
وحمزة الزيات .
شعبة
اسمه : شعبة بن عياش بن سالم الحناط الأسدي النهشلي الكوفي .
كنيته : أبو بكر .
مولده : ولد سنة خمس وتسعين من الهجرة .
وفاته : توفي في جمادى الأولى سنة ثلاثة وتسعين ومائة .
كان إماماً كبيراً عالماً عاملاً حجة من كبار أهل السنة .
كان يقول : من زعم أن القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق عدو لله لا نجالسه
ولا نكلمه .
عرض القرآن على عاصم أكثر من مرة ، وعلى عطاء بن السائب ، وأسلم المقري
.
وعمر دهراً طويلاً ، إلا أنه قطع الإقراء قبل موته بسبع سنين .
وعرض عليه القرآن أبو يوسف يعقوب بن خليفة الأعشمي ، وعبد الرحمن بن أبي
حماد ، ويحيى بن محمد العليمي ، وعروة بن محمد الأسدي ، وسهل بن شعيب وغيرهم
.
روى عنه الحروف سماعاً من غير عرض إسحاق بن عيسى وإسحاق بن يوسف الأزرق
، وأحمد بن جبر ، وعلي بن حمزة الكسائي ويحيى بن آدم ، وعبد الجبار بن
محمد العطاردي وغيرهم .
ولما حضرته الوفاة بكت أخته ، قال لها ما يبكيك ؟ انظري إلى تلك الزاوية
فقد ختمت فيها القرآن ثماني عشرة ألف ختمة .
حفص
اسمه : حفص بن سليمان بن المغيرة بن أبي داود الأسدي الكوفي البزاز
، نسبه إلى بيع البز أي الثياب .
كنيته : أبو عمر .
مولده : ولد سنة تسعين .
وفاته : توفي سنة ثمانين ومائة .
كان حفص أعلم الناس بقراءة عاصم .
أخذ القراءة عرضاً وتلقيناً عن عاصم ، وكان ربيبه – ابن زوجته – .
قال الداني : وهو الذي أخذ قراءة عاصم على الناس تلاوة ، ونزل بغداد فأقرأ
بها ، وجاور بمكة فأقرأ بها .
قال يحيى بن معين : الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم هي رواية
أبي عمر حفص بن سليمان .
وقال أبو هشام الرفاعي : كان حفص أعلم أصحاب عاصم بقراءة عاصم ، فكان مرجحاً
على شعبة بضبط الحروف .
وقال الذهبي : هو في القراءة ثقة ثبت ضابط – وقال ابن المنادي : قرأ على
عاصم مراراً ، وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش ، ويصفونه
بضبط الحروف التي قرأها على عاصم ، وأقرأ الناس به دهراً طويلا .
وكانت القراءة التي أخذها عن عاصم ترتفع إلى علي بن أبي طالب رضي الله
عنه .
روي عن حفص أنه قال : قلت لعاصم إن أبا بكر بن شعبة يخالفني في القراءة
، فقال : أقرأتك بما أقرأني به أبو عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله
عنه ، وأقرأت أبا بكر بما أقرأني به زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه .
وقال الإمام ابن مجاهد : بين حفص وأبي بكر من الخلف في الحروف خمسمائة
وعشرون حرفاً في المشهور عنهما .
وذكر حفص : أنه لم يخالف عاصماً في شيء من قراءته إلا في قوله تعالى في
سورة الروم ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ).
قرأ حفص لفظي ضعف وضعفاً في الآية بضم الضاد وفتحها ، وقرأ عاصم بالفتح
.
وروى القراءة عنه عرضاً وسماعاً أُناس كثيرون ، منهم حسين بن محمد الموروزي
، وعمرو بن الصباح ، وعبيد بن الصباح ، والفضل بن يحيى الأنباري ، وأبو
شعيب القواس .
شعبة وحفص من القسم الأول من أخذ عن الإمام مباشرة .
منهج عاصم في القراءة
1- يبسمل بين كل سورتين إلا بين الأنفال وبراءة ، فله الوقف والسكت
والوصل .
2- يقرأ المدين المتصل والمنفصل بالتوسط بمقدار أربع حركات .
3- يقرأ من رواية شعبة ( مِنْ لَدُنْهُ ) بالكهف بإسكان الدال مع إشمامها
ومع كسر النون والهاء وإشباع حركتها .
4- يميل شعبة عنه ألف ( رَمَى ) في ( وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) بالأنفال
.
وألف ( أَعْمَى ) في موضعي الإسراء ( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى
فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ) .
وألف ( وَنَأَى ) في ( وَنَأَى بِجَانِبِهِ ) في الإسراء .
وألف ( رَانَ ) في ( كَلاَّ بَلْ رَانَ ) في المطففين .
وألف ( هَارٍ ) في ( شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ) في التوبة .
5- ويميل حفص عنه الألف بعد الراء في ( مَجْرَاهَا ) .
6- يفتح من رواية شعبة ياء الإضافة في ( مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ
) الصف ، ويسكنها من رواية شعبة أيضاً في ( وَأُمِّي إِلَهَيْنِ ) في المائدة
و ( أَجْرِي إِلاَّ ) في جميع المواضع و ( وَجْهِي لِلَّهِ ) في آل عمران
والأنعام ، و( بَيْتِي ) في ( وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي ) في نوح ، ( وَلِيَ
دِينِ ) في الكافرون .
7- يحذف الباء الزائدة وصلاً ووقفاً من رواية شعبة في ( فَمَا آتَانِي
اللَّهُ خَيْرٌ ) في النمل .
|