قراءة لهذا الموضوع

الرقمالبيتالشرح
1134وَهَاكَ مَوَازِينُ الْحُرُوفِ وَمَا حَكَى جَهَابِذَةُ النُّقَّادِ فِيهاَ مُحَصَّلاَهاك أي خذها اسم فعل والكاف للخطاب والموازين جمع ميزان وموازين الحروف مخارجها سماها بذلك لأنها إذا أخرجت منها لم يشارك صوتها شيء من غيرها فهي تميزها وتعرف مقدارها كما يفعل الميزان وقوله وما حكى في موضع نصب عطفا على موازين أي وخذ الذي حكى فيها الجهابذة من التعبير عنها واستخراج صفاتها والجهابذة جمع جهبذ وهو الحاذق في النقد والنقاد جمع ناقد يقال نقدت الدراهم إذا استخرجت منها الزيف وكنى بجهابذة النقاد عن الحاذقين بهذا العلم المتضلعين منه ومحصلا بفتح الصاد حال من مفعول حكى أي والذي حكاه العلماء محصلا وحسنت استعارة لفظ النقاد والجهابذة بعد ذكر الموازين وللشيخ رحمه الله في علم التجويد قصيدة يقول ، (للحرف ميزان فلا تك طاغيا فيه ولا تك مخسر الميزان)
1135وَلاَ رِيَبةٌ فِي عَيْنِهِنَّ وَلاَ رِباَ وَعِنْدَ صَلِيلِ الزَّيْفِ يَصْدُقُ الاِبْتِلاَفي عينهن أي في نفسهن والريبة الشك والربا الزيادة أي لا شك في أنهن متعينات مخارج وصفات يتميز بها بعضها من بعض يدرك ذلك بالحس فهو ضروري لا شك فيه ولا يمكن الزيادة في التعريف بها بما يكذبه الحس وكذا النقصان وإنما ترك ذكره لظهوره فإن لفظ الزيادة يدل عليه فهو من باب قوله تعالى تقيكم الحر أي والبرد وإلا فلا مناسبة بين قوله ولا ريبة ولا ربا إلا المجانسة اللفظية يعني أنه أتى بها خالصة العبارة في الدلالة على المقصود ثم تمم البيت بما معناه أن هذا الذي ادعيته لا يخفى لأن الزيف صليله شاهد عليه وها هي معروضة عليك أي عند نطق الناطق بالحرف يبين للناقد العارف بالمخارج والصفات أن نطقه به على صحة أو فيه خلل فصوت المختل كصليل الزيف والصليل الصوت والزيف مصدر زاف الدرهم إذا رديء ويقال أيضا درهم زائف وزيف أي رديء وصفوه بالمصدر وغلب ذلك عليه نحو رجل عدل فيجوز أن يكون الزيف في البيت بمعنى الزائف ويجوز أن يكون المصدر والابتلاء الاختبار أي الناقد إذا اختبره وهما ينقده عند الريبة فيه فيظهر فيه صوت الرداءة صدق اختباره والاستعارات التي في هذا البيت أيضا تابعة للمجازاة السابقة فهو من باب المجاز المرشح وله نظائر
1136وَلاَ بُدَّ فِي تَعْيِينِهِنَّ مِنَ الأولى عُنُوا بِالْمَعانِي عَامِلينَ وَقُوَّلاأي لا بد لنا في حصول تعيينهن والتعريف بهن من نقل أقوال الذين اعتنوا بالمعاني فاستنبطوها وأحكموها أي إني أذكر ما ذكر أئمة العلماء بذلك فالأولى بمعنى الذين وعاملين حال منهم وقولا عطف عليه وهو جمع قائل أي قائلها عاملين بها والضمير في تعيينهن قال الشيخ للموازيين وكذا ولا ريبة في عينهن ويجوز أن يكون للحروف على معنى ولا بد في تعيين ما تتميز به من المخارج والصفات من الاستعانة بعبارة المتقدمين وإن كان الحس يشهد بذلك
1137فَابْدَأْ مِنْهاَ بِالْمَخَارِجِ مُرْدِفاً لَهُنَّ بِمَشْهُورِ الصِّفَاتِ مُفَصِّلاَمنها أي من المعاني إن كان أراد بقوله عنوا بالمعاني المخارج والصفات وإن كان أراد مطلق المعاني فالهاء في منها عائدة على الحروف وهذا مما يقوي أن الضمير في تعيينهن للحروف وفي قوله ، (وما هاك موازين الحروف ) ، ويكون منها على حذف مضاف أي في أحكام الحروف وقوله مردفا لهن للمخارج بذكر ما اشتهر من صفات الحروف مفصلا ذلك أي مبينا ثم شرع في ذكر المخارج وقال
1138ثَلاَثٌ بِأَقْصَى الْحَلْقِ وَاثْنانِ وَسْطَهُ وَحَرْفَانِ مِنْهاَ أَوَّلَ الْحَلْقِ جُمِّلاَأي منها ثلاثة أحرف حلت بأقصى الحلق وحرفان في وسطه وحرفان أوله وجملا نعت لحرفان فالألف ضمير التثنية ذكر في هذا البيت سبعة أحرف وهي المسماة حروف الحلق وإنما قال ثلاث ولم يقل ثلاثة ومراده ثلاثة أحرف لأن الأحرف عبارة عن حروف المعجم وتلك يجوز معاملة ألفاظها بالتأنيث والتذكير فقال ثلاث بلفظ التأنيث العددي اعتبارا لذلك المعنى ثم قال واثنان فاعتبر اللفظ فذكر وقد تقدم الكلام في ذلك أيضا في شرح قوله في الأصول غير عشر ليعدلا ومثله قول عمر بن أبي ربيعة ثلاث شخوص كاعبات ومعصرا أنث عدد شخوص وهو لفظ مذكر لما أراد به نساء ذكر سيبويه رحمه الله أن مخارج الحروف ستة عشر مخرجا وهي دائرة على ثلاثة الحلق والفم والشفة ويقال الحلق واللسان والشفتان والمعنى واحد وكل ذلك على التقريب وإلحاق ما اشتد تقاربه بمقاربه وجعله معه من مخرج واحد والتحقيق أن كل حرف له مخرج يخالف الآخر باعتبار الصفات وإلا كان إياه فللحلق ثلاثة مخارج أقصاه وأوسطه وأدناه إلى الفم وهو المراد بقوله أول الحلق ولهذا سميت هذه الحروف السبعة لحروف الحلق إضافة لها إلى مخرجها فالثلاثة التي لأقصى الحلق الهمزة والألف والهاء وهي على هذا الترتيب فالهمزة أقصى الحروف مخرجا تكاد تخرج من الصدر والحلق فإن اللذان من أوسط الحلق هما العين والحاء المهملتان والحرفان اللذان من أدنى الحلق هما الغين والخاء المعجمتان ويتبين لك مخرج كل حرف بأن تنطق بالحرف ساكنا وقبله همزة وصل ثم شرع في الحروف التي تخرج من الفم وفيه عشرة مخارج لثمانية عشر حرفا في أربعة مواضع من اللسان أقصاه ووسطه وحافته وطرفه ففي الأقصى مخرجان وفي الوسط واحد وفي الحافة مخرجان وفي الطرف خمسة مخارج فقال
1139وَحَرْفٌ لَهُ أَقْصَى اللِّسَانِ وَفَوْقَهْ مِنَ الْحَنَكِ احْفَظْهُ وَحَرْفٌ بِأَسْفَلاَأي ومنها حرف مخرجه أقصى اللسان وهو الذي يلي أول الحلق فقوله وفوقه أي وما فوقه في الحنك فحذف الموصول ضرورة وهذا الحرف هو القاف ثم قال وحرف بأسفلا أي ومنها حرف بأسفل الحنك مع كونه في أقصى اللسان وهو الكاف يقال لها أقصى اللسان وما تحته من الحنك ومنهم من يقول وما فوقه من الحنك مما يلي مخرج القاف قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله والأمر في ذلك قريب لأنه قد يوجد على كل واحد من الأمرين بحسب اختلاف الأشخاص مع سلامة الذوق فعبر كل واحد على حسب وجدانه
1140وَوَسْطُهُمَا مِنْهُ ثَلاَثٌ وَحَافَةُ الْلِسَانِ فَأَقْصَاهَا لِحَرْفٍ تَطَوَّلاَأي وسط اللسان والحنك منه يخرج ثلاثة أحرف وهي الجيم والشين المعجمة والياء المثناة من تحت فقوله منه ثلاث جملة ابتدائية هي خبر وسطها ثم ابتدأ قائلا وحافة اللسان لحرف تطولا وقوله فأقصاها بدل من حافة اللسان على زيادة الفاء ويعني بذلك أولا حافة اللسان كما ذكر الأئمة والحرف الذي يطول هو الضاد المعجمة لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام على ما سيأتي بيانه وهو يخرج من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس فهذا معنى قوله لحرف تطولا إلى ما يلي الأضراس على ما تراه في البيت الآخر وهو
1141إِلى مَا بَلِى الأَضْرَاسَ وَهْوَ لَدَيْهِمَا يَعِزُّ وَبِالْيُمْنَى يَكُونُ مُقَلَّلاًأي تطول إلى الموضع الذي يلي الأضراس وقوله وهو يعني أيضا ولديهما أي لدى الجهتين اليمنى واليسرى فاضمر ما لم يجر له ذكر لأن في قوة الكلام دليلا عليه وهو قوله ما يلي الأضراس فإن الأضراس موجودة في الجانبين وقوله يعز أي يقل ويضعف خروجها منهما ولهذا قال سيبويه إنها تتكلف من الجانبين بل من الناس من يخرجها من الجانب الأيمن وهو قليل وهو معنى قوله وباليمنى أي وبالجهة اليمنى يكون مقللا والأكثر على إخراجها من الجانب الأيسر على حسب ما يسهل على المتكلم وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخرجها من الجانبين ومنهم من يجعل مخرج الضاد قبل مخرج الجيم والشين والياء
1142وَحَرْفٌ بِأَدْنَاهَا إِلى مُنْتَهاَهُ قَدْ بَلِى الْحَنَكَ الأَعْلى وَدُونَهُ ذُو وِلاَأي بأدنى حافة اللسان إلى منتها طرف اللسان بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى ومنهم من يزيد على هذا فيقول فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية وهو حرف اللام قال الشيخ أبو عمرو وكان يغني أن يقال فويق الثنايا إلا أن سيبويه ذكر ذلك فمن أجل ذلك عددوا وإلا فليس في الحقيقة فوق لأن مخرج النون يلي مخرجها وهي فوق الثنايا فكذلك هذا على أن الناطق باللام يبسط جوانب طرفي لسانه مما فوق الضاحك إلى الضاحك الآخر وإن كان المخرج في الحقيقة ليس إلا فوق الثنايا وإنما ذاك يأتي لما فيها من شبه الشدة ودخول المخرج في ظهر اللسان فيبسط الجانبان لذلك فلذلك عدد الضاحك والناب والرباعية والثنية وقوله ودونه بقصر الهاء أي دون هذا الحرف وهو حرف اللام حرف ذو ولاء أي متابعة له يعني النون مخرجها مما بين طرف اللسان وفويق الثنايا وهي تخرج قليلا من مخرج اللام وقال مكي ومن أدنى طرفه وما يليه في الحنك الأعلى تخرج النون والتنوين ومن ذلك الأدنى داخلا إلى ظهر اللسان قليلا تخرج الراء ثم ذكر مخرج الراء فقال
1143وَحَرْفٌ يُدَانِيهِ إِلَى الظَّهْرِ مَدْخَلٌ وَكَمْ حَاذِقٍ مَعْ سِيبَويْهِ بِهِ اجْتَلاَيعني يداني النون وهو الراء يخرج من مخرجها لكنه أدخل في ظهر اللسان قليلا من مخرج النون لإنحرافه إلى اللام فهذا معنى قوله إلى الظهر مدخل أي وحرف مدخل إلى الظهر يدانيه وأورد الشيخ أبو عمرو أن هذه العبارة تقتضي أن يكون مخرج الراء قبل النون لأن الراء أدخل منها إلى ظهر اللسان وأجاب بأن المخرج بعد مخرج النون وإنما يشاركه ذلك لا على أنه يستقل به ألا ترى أنك إذا نطقت بالنون والراء ساكنتين وجدت طرف اللسان عند النطق بالراء فبما هو بعد مخرج النون هذا هو الذي يجده المستقيم الطبع قال وقد يمكن إخراج الراء مما هو داخل من مخرج النون أو من مخرجها ولكن يتكلف لا على حسب إجراء ذلك على الطبع المستقيم والكلام في المخارج إنما هو على حسب اشتقاق الطبع لا على التكلف والهاء في به يعود على الظهر أي إن سيبويه وجماعة من الحذاق يجعلون الراء من ظهر اللسان وأنهم ثم اجتلوه أي كشفوه هكذا قال الشيخ ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على المذكور أي وكم من حاذق في صناعة العربية أي ماهر بها اجتلا هذا الحرف بهذا المخرج المذكور وهو نص ما في كتاب سيبويه الذي هو إمام نحاة البصريين قال رحمه الله ومن مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلا لإنحرافه إلى اللام مخرج الراء زاد غيره وقال غير أن في الراء تكريرا وكذا ما ذكرناه في اللام والنون هو قول سيبويه ثم قال
1144وَمِنْ طَرَفٍ هُنَّ الثَّلاثُ لِقُطْرُبٍ وَيَحْيى مَعَ الْجَرْمِيِّ مَعْناَهُ قُوِّلاَقال أبو عمرو الداني وقال الفراء وقطرب والجرمي وابن كيسان مخارج الحروف أربعة عشر مخرجا فجعلوا اللام والراء والنون من مخرج واحد وهو طرف اللسان قلت أما قطرب فهو أبو علي محمد بن المستنير البصري أحد العلماء بالنحو واللغة أخذ عن سيبويه وغيره ويقال إن سيبويه لقبه قطربا لمباكرته إياه في الأسحار قال له يوما ما أنت إلا قطرب ليل والقطرب دويبة تدب ولا تفتر ومنه حديث ابن مسعود لا أعرفن أحدكم جيفة ليل قطرب نهار قال أبو عبيد يقال إن القطرب دويبة لا تستريح نهارها سعيا وحكى ثعلب أن القطرب الخفيف وكان محمد بن المستنير يبكر إلى سيبويه فيفتح سيبويه بابه فيجده هنالك فيقول له ما أنت إلا قطرب ليل فلقب بذلك وأما يحيى فهو أبو زكريا بن يحيى بن زياد الفراء إمام نحاة الكوفة بعد الكسائي ذكر الخطيب أنه كان ثقة إماما وأنه كان يقال الفراء أمير المؤمنين في النحو وأما الجرمي فهو أبو عمرو صالح بن إسحاق أحد نحاة البصرة قرأ على الأخفش وأخذ اللغة عن أبي عبيدة وأبي زيد والأصمعي وكان ذا دين وورع فهذا معنى قوله ومن طرف اللسان والثلاث بدل من قوله هن أو عطف بيان كقولك في الدار هو زيد أضمرته أولا اعتمادا على أن السامع يعرفه ثم اعترضك شك في معرفته به فأتيت بما يكشفه ويوضحه ويؤكده ومعنى لقطرب أي في قوله ومذهبه فهي لام البيان نحو هيت لك ثم ابتدأ قوله ويحيى وفي قولا ضمير تثنية راجع إلى يحيى والجرمي أي نسب إليهما قول بمعنى ما ذكر قطرب وقال صاحب العين هذه الحروف الثلاثة ذلقية تبتديء من ذلق اللسان وهو تحديد طرفه
1145وَمِنْهُ وَمِنْ عُلْيَا الثَّنَايَا ثَلاَثَةٌ وَمِنْهُ وَمِنْ أَطْرَافِهاَ مِثْلُهاَ انْجَلىيعني ومن طرف اللسان ومن الثنايا العليا يعني بينهما ثلاثة أحرف وهي الطاء والدال المهملتان والتاء المثناة من فوق وعبارة سيبويه مما بين طرف اللسان وأصول الثنايا زاد غيره مصعدا إلى الحنك وقال الشيخ أبو عمرو وقوله وأصول الثنايا ليس بحتم بل قد يكون ذلك من أصول الثنايا ويكون مما بعد أصولها قليلا مع سلامة الطبع من التكليف ثم قال ومنه يعني ومن طرف اللسان ومن أطرافها أي أطراف الثنايا المذكورة أي مما بينهما وهي عبارة سيبويه مثلها أي ثلاثة أحرف وهي الظاء والذال المعجمتان والثاء المثلثة فهي مثلها في العدية وقال مكي ومن طرفه وما يليه من أطراف الثنايا علياها وسفاها تخرج الظاء والذال والثاء ومعنى انجلا انكشف أي انجلا المذكور بمعنى بأن كل فريق من هذه الستة وظهر مخرجه ويجوز أن يكون الضمير في انجلا عائدا على لفظ مثل لأنه مفرد وإن عنى به ثلاثة أي انجلا مثلها من المخرج المذكور وقوله عليا الثنايا من باب إضافة الصفة إلى موصوفها والأصل الثنايا العليا ولم يذكر سيبويه في عبارته العليا وهي مراده وهذه إضافة صحيحة لأن الثنايا قسمان سفلى وعليا فميز بالإضافة نحو علماء القوم وفضلاء الرجال وليس في كل جهة إلا ثنيتان فالمجموع أربع وجوز التعبير عن المثنى بالجمع تخفيفا وهو هنا أولى من غيره لا من الإلباس ونظيره قولهم هو عظيم المناكب وغليظ الحواجب وشديد المرافق وضخم المناخر
1146وَمِنْهُ وَمِنْ بَيْنِ الثنَايَا ثَلاَثَةٌ وَحَرْفٌ مِنْ اطْرَافِ الثَّنَاياَ هِيَ الْعُلاَأي ومن طرف اللسان ومن بين الثنايا لا أصولها ولا أطرافها ثلاثة أخرى وهي الصاد والسين المهملتان والزاي وقدم سيبويه ذكر هذه الثلاثة التي قبلها وعبارته فيها ومما بين طرف اللسان وفوق الثنايا مخارج الزاي والسين والصاد قال الشيخ وعبر عن ذلك غيره فقال من طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى كذا قال وسيبويه لم يصف الثنايا في عبارته في جميع هذه المواضع فلم يقل العليا ولا السفلى وقال الشيخ أبو عمرو قولهم الثنايا في هذه المواضع إنما يعنون الثنايا العليا وليس ثم إلا ثنيتان وإنما عبروا عنها بلفظ الجمع لأن اللفظ به أخف مع كونه معلوما وإلا فالقياس أن يقال وأطراف الثنيتين وقال في الزاي وأختيها هي تفارق مخرج الطاء وأختيها لأنها بعد أصول الثنايا أو بعد ما بعد أصولها وتفارق الطاء وأختيها لأنها قبل أطراف الثنايا وقال غيره هي من حانته قليلا من مخرج الظاء بحيث لا تلصق اللسان بالثنايا عند إخراجها ثم بين الناظم مخرج الفاء بقوله ، بيان للثنايا والعلا جمع العليا وبتمام هذا البيت تم الكلام في المخارج المتعلقة بالفم وبقي مخرج الشفة وفيها مخرجان لأربعة أحرف ثم تمم الكلام في مخرج الفاء فقال ، (ومنه من بين الثنايا ثلاثة وحرف من أطراف الثنايا هي العلا)
1147وَمِنْ بَاطِنِ السُّفْلَى مِنَ الشَّفَتَيْنِ قُلْ وَلِلشَّفَتَيْنِ اجْعَلْ ثَلاَثاً لِتَعْدِلاَأي مخرج الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا هذه عبارة سيبويه وبقي ثلاثة أحرف وهي الواو والفاء الموحدة والميم مخرجها مما بين الشفتين فهذه حروف الشفة وحروف الحلق هي السبعة المبتدأ بذكرها والبواقي حروف الفم والفاء مشتركة بين الثنايا والشفة فمن حيث تعلقها بالثنايا فارقت حروف الشفة ومن حيث لا تعلق لها باللسان فارقت حروف الفم فالتحقيق أنها قسم برأسها ونصب لتعدلا بلام التعليل فإن كانت فتعدلا يكون نصبها بالفاء في جواب الأمر
1148وَفِي أَوَّلِ مِنْ كِلْمِ بَيْتَيْنِ جَمْعُهاَ سِوَى أَرْبَعٍ فِيهِنَّ كِلْمَةٌ أَوّلاَلما أجمل ذكر الحروف عند مخارجها أتى بها مضمنة في أوائل كلمات بيتين على ترتيب ما بينه من المخارج فقوله وفي أول أي في حروف أول وأول جمع أولى ووجه هذا التأنيث ما سبق ذكره في قوله ثلاث بأقصى الحلق لأنه نعت لحروف والحروف عبارة عن أسماء حروف التهجي وتلك الأسماء يجوز تأنيثها فكأنه قال وفي أوائل من كلمات بيتين جمع هذه الحروف ذوات هذه المخارج فقوله كلم بكسر الكاف وسكون اللام هو تخفيف كلم بفتح الكاف وكسر اللام مثل قولهم فخذ في فخذ وكبد في كبد ثم قال سوى أربع أي سوى أربع أحرف فإنك لا تأخذهما من أوائل الكلمات وإنما تأخذها من مجموع الكلمة الأولى من البيت الأول من البيتين المذكورين وقوله فيهن أي في جمعهن جمع كلمة أول البيتين فأولا مخفوض بإضافة كلمة إليه لكنه لا ينصرف هكذا قال الشيخ وهو مشكل فإن الكلمة حينئذ تبقى مجهولة في البيت الأول فما من كلمة فيه إلا ويصدق عليها هذه العبارة فالوجه أن يكون كلمة منونة وأولا ظرف ألقيت حركة همزته على التنوين فهذا أولى لتتعين الكلمة الأولى من البيتين لجميع الحروف الأربعة على ما نبينه ثم ذكر البيتين فقال
1149(أَهَاعَ) (حَـ)ـشَا (غَـ)ـاوٍ (خَـ)ـلاَ (قَـ)ـارِئٍ (كَـ)ـمَا (جَـ)ـرَى (شَـ)ـرْطُ (يُـ)ـسْرَى (ضَـ)ـارِعٍ (لَـ)ـلاحَ (نَـ)ـوْفَلاَأهاع هي الكلمة المضمنة أربعة أحرف من حروف الحلق وهي الثلاثة التي بأقصى الحلق وواحد من وسطه والثاني أول حشا والحرفان اللذان من أول الحلق هما أول غاو خلا وهكذا أخذ الباقي من الحروف من أوائل الكلمات إلى آخر البيت وهو النون الذي عبر عنه بقوله ودونه ذو ولا وكان الوجه تقديم ذكر الألف على الهاء عند ذكر الحروف الحلقية فقال الهمزة والألف والهاء كذلك عبر عنه سيبويه وغيره فعدل الناظم إلى تقديم الهاء على الألف لأنه لم يطاوعه كلمة مستعملة على ذلك الترتيب ولو فرض أن أهع له معنى لما كان محصلا للغرض لأن المدة بعد الهمزة لا يتفطن لها أنها مقصودة حرفا ولهذا يسقط من الرسم ألا ترى أنه إذا كتب اسم آدم لم يكتب بعد الهمزة إلا الدال وسقطت المدة وإذا قيل أهاع كان ستافي تعداد الحروف ومعنى أهاع أفزع من قولهم هاع ويهيع ويهاع إذا جبن ومنه الهيعة لكل ما أفزعك من صوت أو فاحشة تشاع ويقال هاع يهوع إذا فاء وكلاهما محتمل هنا في قوله هاع على ما نبينه والحشاء ما انضمت الضلوع عليه والجمع أحشاء والغاوي اسم فاعل من غوى يغوي غيا أي ضل وحشى غاو هو مفعول أهاع مقدم على فاعله والفاعل قوله خلا قاريء والخلا بالقصر الرطب من الحشيش والرطب بضم الراء الكلأء ويقال فلان حسن الخلاء أي طيب الكلام يكنى بذلك عن جودة قراءته وطيب حديثه وكنى به الناظم عن جودة قراءة القاريء وما بجنيه ساقها من التلذذ بها أي إن قراءة هذا القاريء أفرغت حشا القاريء الضال المنهمك في طغيانه فألقى ما في باطنه من الأخلاق الذميمة واستبدل بها غيرها فقد ظهر وجه التجوز بالمعنيين في أهاع ثم قال كما جرى شرط يسري ضارع وهكذا جرى شرط قراءة من كان ضارعا خاشعا أي ييسر من سمع منه ذلك لليسرى ويحكي عن قراءة صالح المري من هذا الباب عجائب وهو أحد الأئمة المتقدمين السادة رحمه الله تعالى والنوفل الكثير العطاء أي لاح هذا القاريء كثير الفوائد والله أعلم
1150(رَ)عى (طُ)هْرَ (دِ)ينٍ (تَـ)ـمَّهُ (ظِـ)ـلُّ (ذِ)ي (ثَـ)ـناَ (صَـ)ـفَا (سَـ)ـجْلُ (زُ)هْدٍ (فِـ)ـى (وُ)جُوهِ (بَـ)ـنِى (مَـ)ـلاَأي رعى هذا القاريء طهارة دين أتم ذلك الدين ظل شيخ ذي ثناء قال الشيخ يقال تم الله عليك النعمة وأتمها أي هو من باب فعل وأفعل بمعنى واحد كلاهما متعد إلى المفعول ويحتمل أن يقال أرادتم به ظل ذي ثناء ثم حذف حرف الجر وهو الباء فصار تمه أي تم بذلك الدين ظل ذي ثناء وهذا أحسن معنى من أن يكون الظل أتم الدين وقد حكى صاحب المحكم تم بالشيء جعله تاما وأنشد ابن الأعرابي ، (إن قلت يوما نعم فنم بها ) ، أي أتمها فيكون مثل ذهبت به أي أذهبته فقول الشاطبي هـ ا تمه على حذف الباء وحصر لفظ الثناء ضرورة ورأيت في حاشية نسخة قرئت على الناظم رحمه الله حكى ابن طريف تمه وأتمه ويقال صفوت القدر إذا أخذت صفوتها والسجل في الأصل الدلو العظيمة إذا كان فيها ماء وجعل ههنا للزهد سجلا كأنه مجتمع في وعاء فأخذ هذا الرجل المشار إليه صفوته فقوله سجل زهد مفعول صفا وفاعله ضمير عائد على موصوف ذي ثناء محذوف وقال الشيخ التقدير صفا سجل زهده ثم قال في وجوه أي هو كائن في جماعة وجوه والوجوه أشراف القوم والملأ كذلك أي هم أشراف بنو أشراف ضمن هذا البيت باقي الحروف من الراء إلى الميم ثم قال
1151وَغُنَّةُ تَنْوِينٍ وَنُونٍ وَمِيمٍ انْ سَكَنَّ وَلاَ إِظْهَارَ فِي الأَنْفِ يُجْتَلىوغنة تنوين مبتدأ وفي الأنف تجتلا خبره كما تقول هند في الدار تكرم أي ثم يكشف ويجلي أمرها وأراد أن يبين مخرج فبين أولا الحروف التي تصحبها الغنة بأن أضاف الغنة إليها وهي التنوين والنون والميم فهذه ثلاثة وفي الحقيقة حرفان النون والميم لأن التنوين نون حقيقة في المخرج والصفة وإنما الفرق بينهما عدم ثبات التنوين في الوقف وفي صورة الخط وأنه لا يكون إلا زائدا على هجاء الكل فلهذا يعتني الفراء بالتنصيص عليه كقولهم باب أحكام النون الساكنة والتنوين وقد مضى في باب التكبير وما قبله من ساكن أو منون وأما سيبويه وأتباعه فلم يذكروا إلا النون والميم قال سيبويه في ذكره الحروف التي بين الشديدة والرخوة ومنها حرف يجري معه الصوت لأن ذلك الصوت غنة من الأنف فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف لأنك لو أمسكت أنفك لم يجر معه صوت وهو النون وكذلك الميم وقال قبل ذلك ومن الخياشيم تخرج النون الخفيفة وأراد بالنون الخفيفة الغنة وتسمى الخفيفة أيضا لخفتها وخفائها وقال نصر بن علي الشيرازي ومنها حروف الغنة وهي النون والميم سميتا بذلك لأن فيهما غنة تخرج من الخياشيم وهي الصوت المحصور فيها كأصوات الحمائم والقمارى وقوله إن سكن ولا إظهار بيان للحالة التي تصحب الغنة لهذه الأحرف لأن هذه الحروف ليست لازمة للغنة لا تنفك عنها فقال شرطها أن تكن سواكن وأن تكن مخفيات أو مدغمات إلا في موضع نصوا على الإدغام فيه يعبر عنه أو اختلف في ذلك على مضى شرحه في باب أحكام النون الساكنة والتنوين فإن كن مظهرات أو متحركات فلا غنة فالعمل في النون للسان وفي الميم للشفتين على ما سبق وكان يجزئه إن يشترط عدم الإظهار ويلزم من ذلك أن تكن سواكن قال الشيخ أبو عمرو في شرح هذه الغنة المسماة بالنون الخفيفة هذه النون التي قد مر ذكرها فإن تلك من الفم وهذه من الخيشوم قال وشرط هذه أن يكون بعدها حرف الفم ليصح إخفاؤها فإن كان بعدها حرف من حروف الحلق أو كانت آخر الكلام وجب أن تكون الأولى فإذا قلت عنك ومنك فمخرج هذه النون من الخيشوم وليست تلك النون في التحقيق فإذا قلت من خلق ومن أبوك فهذه هي النون التي مخرجها من الفم وكذلك إذا قلت أعلن وشبهه مما يكون آخر الكلام وجب أن تكون هي الأولى أيضا ، قلت وحروف العربية الأصول هي التسعة والعشرون التي مر ذكر مخارجها ويتفرع منها حروف أخر مركبة من ألفاظ بعضها يجري مجرى اللغات منها ما هو فصيح ومنها ما هو مستحسن وهذا سنوضحه إن شاء الله تعالى في شرح النظم في النحو ونبين هنا ما وقع من الفصيح في قراءة القراء وهي همزة بين بين التي تأتي على ثلاثة ألفاظ بين الهمزة والواو وبين الهمزة والياء وبين الهمزة والألف واختلاف ذلك بحسب اختلاف حركتها وقد تقدم بيان ذلك في شرح قوله والمسهل بين ما هو الهمز والحرف الذي منه أشكلا ومنها الصاد التي كالزاي وهي التي مر ذكرها في قراءة حمزة في الصراط وأصدق والمصيطرون وبمصيطر وغير ذلك ومنها الألف الممالة إمالة محضة أو بين بين وقد مضى تحقيق ذلك في بابه ومنها هذه النون المخفاة المسماة بالغنة وقد اتضح أمرها في شرح هذا البيت بتوفيق الله تعالى والله أعلم ، وقال مكي أما النون المخفاة فهو صوت مركب على جسم الخيشوم خاصة لاحظ للجزء من اللسان فيه وهو نوعان التنوين والنون الخفيفة الداخلة على الفعل للتوكيد وقال قبل ذلك الغنة الصوت الزائد على جسمي النون والميم منبعثا عن الخيشوم المركب فوق غار الفم الأعلى يصدق هذا إنك لو أمسكت أنفك لم يمكن خروج الغنة ولا يتغير الصوت بالنون لعدم الغنة المقدرة بها ، قلت وانقضى الكلام في المخارج ثم ذكر مشهور الصفات فقال
1152وَجَهْرٌ وَرَخْوٌ وَانْفِتَاحٌ صِفَاتُهَا وَمُسْتَفِلٌ فَاجْمَعْ الاضْدَادِ اشْمُلاَأي صفاتها كذا وكذا فذكر أربعة يأتي ذكر أضدادها وعبر عن اثنين من الأربعة بلفظ المصدر وهما الجهر والانفتاح وعن اثنين بلفظ الصفة وهما رخو ومستفل ولفظ الصفة في الأولين مجهورة منفتحة ولفظ المصدر في الآخرين رخاوة واستفال وبكل ذلك وقعت العبارة في كتب الأئمة والجهر ضده الهمس فالمجهورة تسعة عشر حرفا سميت بذلك من قولهم جهرت بالشيء إذا أعلنته وذلك أنه لما امتنع النفس أن يجري معها انحصر الصوت لها فقوى التصويت بها والمهموسة عشرة أحرف وهي ما عدا المجهورة سميت بذلك أخذا من الهمس الذي هو الحس الخفي وقيل في قوله تعالى-فلا تسمع إلا همسا-هو حس الأقدام ومنه قول أبي زيد في صفة الأسد ، (يصير بالدجى هاد هموس ) ، فالهمس الضعف فسميت مهموسة لضعف الصوت بها حين جرى النفس معها فلم يقو التصويت بها قوته في المجهورة فصار في التصويت بها نوع خفاء لانقسام النفس عند نطقها والرخاوة ضدها الشدة والانفتاح ضده الإطباق والاستفال ضده الاستعلاء وسيأتي بيان كل ذلك وقوله فأجمل بالأضداد أشملا أي بمعرفة أضداد ما ذكرت يجتمع شمل جميع الحروف ويعرف صفاتها لأن ما نذكره منها بصفة فالباقي بخلافه فجميع الحروف منقسمة إلى كل ضدين من هذه الأضداد الثمانية فهي أربع تقسيمات واشملا جمع شمل وهو مفعول فاجمع
1153فَمَهْمُوسُهاَ عَشْرٌ (حَثَتْ كِسْفَ شَخْصِهِ) (أَجَدَّتْ كَقُطْبٍ) لِلشَّدِيدَةِ مُثِّلاَأي مهموس الحروف عشرة أحرف وإنما أنث العدد على ما ذكرناه من شرح قوله ثلاث بأقصى الحلق ثم بين العشرة بأن جميعها في هذه الكلمات الثلاثة وقال غيره سحته كف شخص وقيل كست شخصه فحث وقيل ستشحكثك حصفه على الوقف بالهاء ومعنى ستشحثك ستردعك وحصفه اسم امرأة هكذا وجدته في حاشيتي كتاب أحسن من الجميع سكت فحثه شخص ثم جمع الحروف الشديدة من قوله أجدت كقطب وقال غيره أجدت طبقك والفاء للتأنيث أو للخطاب وقيل أيضا في جمعها أجدك قطبت وقوله مثلا أي مثل هذا اللفظ وشخص لجميع الحروف الشديدة وسميت هذه الحروف شديدة لأنها قويت في موضعها ولزمته ومنع الصوت أن يجري معها حال النطق بها لأن الصوت انحصر في المخرج فلم يجر أي اشتد وامتنع قبوله للتليين بخلاف الرخوة فهذه الحروف الشديدة هي ثمانية منها ستة من المجهورة ومنها اثنان من المهموسة التاء والكاف والستة الباقية مجهورة شديدة اجتمع فيها أن النفس لا يجرى معها ولا الصبوت في مخرجها وهو معنى الجهر والشدة جميعا
1154وَمَا بَيْنَ رَخْوٍ وَالشَّدِيدَةِ (عَمْرُنَلْ) وَ(وَايٌ) حُرُوفُ الْمَدِّ وَالرَّخْوِ كَمَّلاَأي وما بين حرف رخو والحروف الشديدة حروف قولك عمر نل أي هذه الحروف الخمسة لا رخوة ولا شديدة فهي بين القبيلين ولا ينبغي أن تكتب هنا بالواو لئلا تصير الحروف ستة وهو منادى مفرد حذف حرف ندائه أي يا عمرو نل ما ذكرته لله ثم ذكر أن حروف المد يجمعها قولك وأي وهي ثلاثة أحرف الواو والألف والياء والوأى بهمزة الألف معناه الوعد ولكنه سهل الهمزة ليأتي بلفظ الألف وسميت حروف المد لامتداد الصوت بها عند ساكن أو همزة ثم قال والرخو كملا أد وهذا اللفظ الذي هو وأي كملت حروفه الثلاثة الحروف الرخوة التي هي ضد الشديدة أي إنها معدودة منها وإنما قال ذلك لأن غيره يجعلها من جملة الحروف التي بين الرخوة والشديدة فلما لم يذكرها من حروف عمر نل بين أنه لم يخل بتركها وإنما هي عنده من قسم الرخوة والذين جعلوها بين الرخوة والشديدة فيصير حروفها عندهم ثمانية يجمعها قولك لم يروعنا أو لم يرعونا أو لم يروعنا أو ولينا عمرا ولم يروعنا وهو ظاهر كلام سيبويه فإنه لما عد الحروف الرخوة لم يعد حروف المد وذكر بعدها العين واللام والنون والميم والراء وبينها واحدة واحدة بعبارة تقتضي أنها بين الشديدة والرخوة لم يتم لصوتها الانحصار ولا الجري ثم قال ومنها اللينة فوصفهن ثم قال وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخارجها وإخفائهن وأوسعهن مخرجا الألف ثم الياء ثم الواو وظاهر كلام أبي الحسن الرماني في شرح الأصول موافق لما نظمه الشاطبي فإنه قال وما عدا الشديدة على وجهين شديد يجري فيه الصوت ورخوة أما الشديد الذي يجري فيه الصوت فحرف يشتد لزومه لموضعه ثم يتجافى به اللسان عن موضعه فيجري فيه الصوت لتجافيه وهي الراء واللام والنون والميم والعين وكذا ذكر أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز وقال يجمعها قولك لم يرع وقال مكي في بعض تصانيفه الرخاوة فيما عدا الشديدة إلا سبعة أحرف يجمعها قولك يولى عمرو فإنها بين الرخاوة والشدة فأدخل فيها الواو والياء ولم يدخل الألف
1155وَ(قِظْ خُصَّ ضَغْطِ) سَبْعُ عُلُوٍ وَمُطْبَقٌ هُوَ الضَّادُ وَالظَّا أُعْجِماً وَإِنُ اهْمِلاَأي حروف هذه الكلم الثلاث هي حروف الاستعلاء وهي سبعة سميت بذلك لارتفاع اللسان بها إلى الحنك وما عداها المستفلة لأنها لا يعلو بها اللسان إلى جهة الحنك وقد مضى في باب ترقيق الراءات معنى هذه الكلمات وبعضهم ألحق العين والحاء المهملتين بالحروف المستعلية فصارت تسعا وأضاف سبعا إلى علو كأنه قال حروف العلو أي حروف الاستعلاء ويجوز ضم عين علو وكسرها وقوله ومطبق مبتدأ خبره محذوف قبله أي وفيها مطبق أي ومن هذه الأحرف السبعة المستعلية حروف الإطباق وهي أربعة ثم بينها بقوله أهملا الضاد والظاء المعجمتان والمهملتان يعني الصاد والطاء والمعجم المنقوط والمهمل الذي لا نقط له وألقى حركة همزة أهملا على نون وإن والألف في آخر أهملا ضمير التثنية وسميت هذه الأربعة مطبقة لأنه انطبق على مخرجها من اللسان ما حاذاه من الحنك وما عدا هذه الأربعة من الحروف كلها يقال له المنفتحة لأنك لا تطبق لسانك منها على الحنك وذكر الشيخ أبو عمرو أن تسمية هذه الحروف بالمطبقة والمنفتحة فيها تجوز لأن المطبق إنما هو اللسان والحنك وأما الحرف فهو مطبق عنده فاختصر فقيل مطبق كما قيل للمشترك فيه مشترك وكذا المنفتحة لأن الحرف لا ينفتح وإنما ينفتح عنده اللسان عن الحنك وكذا المستعلية لأن اللسان يستعلي عندها قال ابن مريم الشيرازي ولولا الإطباق لصارت الطاء دالا والظاء ذالا والصاد سينا ولخرجت الضاد من الكلام لأنه ليس من موضعها شيء غيرها وموضعها موضع الإطباق فإذا عدم الإطباق عدمت الضاد ولأجل أنها غير مشاركة في المخرج لم يوجد في شيء من كلام الأمم إلا في العربية وإنما أخذ ذلك من كلام ابن السراج وفي كلام الرماني زيادة فإنه قال لولا الإطباق لصارت الطاء دالا لأنه ليس بينهما فرق إلا بالإطباق ولم تصر تاء للفرق بينهما من جهة الجهر والهمس وكذلك سبيل الصاد والسين لأنهما مهموستان ولم يجب مثل ذلك للزاي لأنها مجهورة وكذلك الظاء والذال ولم يجب في الثاء لأنها مهموسة
1156وَصَادٌ وَسِينٌ مُهْمَلانِ وَزَايُهاَ صَفِيرٌ وَشِينٌ بِالتَّفَشِّي تَعَمَّلاَالذي سبق من الصفات كان له ضد يطلق على باقي الحروف ومن هاهنا صفات لبعض الحروف ليس يطلق على باقيها اسم مشعر بضد تلك الصفات بل يسليها فهذه الثلاثة الصاد والسين المهملتان والزاي تسمى حروف الصفير لأنها يصير بها وباقي الحروف لا صفير فيها وهذه الثلاثة هي الحروف الأسلية التي تخرج من أسلة اللسان قال ابن مريم ومنهم من الحق بها الشين وإنما يقال لها حروف الصفير لأنك تصفر عند اعتمادك على مواضعها قال مكي والصفر حد الصوت كالصوت الخارج من ضغطة ثقب قال والتفشي انتشار خروج الريح وانبساطه حتى يتخيل أن الشين انفرشت حتى لحقت بمنشا الطاء وهي أخص بهذه الصفة من الفاء قال وقد ذكر بعضهم الضاد من هذا المعنى لاستطالتها لما اتصلت بمخرج اللام وقال ابن مريم الشيرازي ومنها حروف التفشي وهي أربعة مجموعة في قولك مشفر وهي حروف فيها غنة ونفش وتأفف وتكرار وإنما قيل لها حروف التفشي وإن كان التفشي في الشين خاصة لأن الباقية مقاربة له لأن الشين بما فيه من التفشي ينتشر الصوت منه ويتفشى حتى يتصل إلى مخارج الباقية وقال الشيخ سمي الشين المتفشي لأنه انتشر في الفم برخاوته حتى اتصل بمخرج الطاء والتفشي الانتشار وقوله صغير أي ذات صغير والضمير في زايها يرجع إلى الحروف ومهملان نعت صاد وسين وأتى بلفظ صاد وسين وشين على التنكير لأن المعبر عنه لا يختلف منكرا كان أو معرفا ومعنى تعمل هنا اتصف لأن من عمل شيئا اتصف به ولهذا عداه بالياء في قوله بالتفشي أي اتصف الشين به ومنه قوله كن متعملا
1157وَمُنْحَرِفٌ لاَمٌ وَرَاءٌ وَكُرِّرَتْ كَمَا الْمُسْتَطِيلُ الضَّادُ لَيْسَ بِأَغْفَلاَمنحرف خبر مقدم أي وحرف اللام منحرف أي مسمى بالمنحرف قال سيبويه ومنها المنحرف أي ومما بين الرخو والشديد وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديدة وهي اللام إن شئت مددت فيها الصوت وليس كالرخوة لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه وليس يخرج الصوت من موضع اللام ولكنه من ناحيتي مستدق اللسان خولف ذلك قال ابن مريم مخرج الصوت على الناحيتين وما فوقهما وقال الشيخ أبو عمرو اللسان عند النطق باللام ينحرف إلى داخل الحنك قليلا ولذلك سمى منحرفا وجرى فيه الصوت وإلا فهو في الحقيقة لولا ذلك حرف شديد إذ لولا الانحراف لم يجر الصوت وهي معنى الشدة ولكنه لما حصل الانحراف مع التصويت كان في حكم الرخوة لجرى الصوت وكذلك جعل بين الشديدة والرخوة وقوله وراء أي والراء لذلك فوصف بالانحراف قال مكي والراء انحرف عن مخرج النون الذي هو أقرب المخارج إليه إلى مخرج اللام قال الشيخ والراء أيضا فيها انحراف قليل إلى ناحية اللام ولذلك يجعلها الألثغ لاما ، قلت وأكثر المصنفين من النحاة والقراء لا يصفون بالانحراف إلا اللام وحدها وعبارة سيبويه دالة على ما قال الناظم فإنه قال لما ذكر اللام والنون والميم وبين أنها من الرخوة والشديدة ومنها المكرر وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام فتجافى الصوت كالرخوة ولو لم يكرر لم يجر فيه الصوت وهو الراء فهذا معنى قول الناظم وراء وكررت أي جمعت بين صفتي الانحراف والتكرير قال مكي التكرير تضعيف يوجد في جسم الراء لارتعاد طرف اللسان بها ويقوى مع التشديد ولا يبلغ به حد بفتح وقال ابن مريم إذا وقف الواقف على الراء وجد طرف اللسان يتغير بما فيه من التكرير ولذلك يعد في الإمالة بحرفين والحركة فيه تنزل منزلة حركتين وقال الشيخ أبو عمرو والمكرر الراء لما تحسه من شبه ترديد اللسان في مخرجه عند النطق به ولذلك أجرى مجرى الحرفين في أحكام متفددة فحسن إسكان ينصركم ويشعركم ولم يحسن إسكان يقتلكم ويسمعكم وحسن إدغام مثل وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم أحسن منه في إن يمسكم ولم يمل طالب وغانم وأميل طارد وغارم وامتنعوا من إمالة راشد ولم يمتنعوا من إمالة راشد وكل هذه الأحكام راجعة في المنع والتسويغ إلى التكرير الذي في الراء قال الشيخ وسمى الضاد مستطيلا لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام قال مكي والاستطالة تمدد عند بيان الضاد للجهر والإطباق والاستعلاء وتمكنها من أول حافة اللسان إلى منتهى طرفه فاستطالت بذلك فلحقت بمخرج اللام ومعنى ليس بأغفلا أي معجم احترز بذلك من الاشتباه بالصاد
1158كَمَا اْلأَلِفُ الْهَاوِي وَ(آوِي) لِعِلَّةٍ وَفِي (قُطْبِ جَدٍّ) خَمْسُ قَلْقَلَةٍ عُلاَأي ويقال لحرف الألف الهاوي قال سيبويه هو حرف تسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو لأنك قد تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك وقال الشيخ أبو عمرو الهاوي الألف لأنه في الحقيقة راجع إلى الصوت الهاوي الذي بعد الفتحة وهذا وإن شاركه الواو والياء فيه إلا أنه يفارقها من وجهين أحدهما ما تحسه عند الواو والياء من التعرض لمخرجيهما والآخر اتساع هواء الألف لأنه صوت بعد الفتحة فيكون الفم فيه مفتوحا بخلاف الضمة والكسرة فإنه لا يكون كذلك فلذلك اتسع هواء صوت الألف أكثر في الواو والياء وقوله وآوى لعلة أي حروف كلمة آوى وهو فعل مضارع للإخبار عن المتكلم من آوى ويؤاوي فهو أربعة أحرف همزة ثم ألف وواو وياء ومعنى لعلة أي هي حروف العلة أي متهيئة لذلك معدة له يريد أنها حروف العلة أي الاعتلال لما يعتريها من القلب والإبدال على ما هو معروف في علم التصريف ولم يعد أكثر المصنفين حروف العلة إلا ثلاثة وزاد الناظم فيها الهمزة لما يدخلها من أنواع التخفيف بالحذف والتسهيل والقلب ومنهم من عد الهاء منها لانقلابها همزة في نحو ماء وأيهات وتسمى أيضا الحروف الثلاثة الهوائية لأنها تخرج في هواء الفم قال ابن مريم الشيرازي وقد يقال لها أيضا الهاوية لأنها تهوى في الفم وليس لها حياز من الفم يعتمد في خروجها عليها قال وبعض النحويين يجعل الألف وحده هو الهاوي قال ولا شك في أن الألف أشد هويا في الفم لأنه أشد امتدادا واستطالة فهو يتمحض للمد ثم ذكر الناظم حروف القلقلة وهي خمسة وجمعها في قوله قطبجد وهذا جمع حسن وقال غيره جد بطق وقد طبج ومعنى طبج حمق وهو بكسر الباء ومنهم من يفتحها وفسره بعاب وأضاف خمس إلى القلقلة كما أضاف في سبع ما سبق علو وعلا نعت لقوله خمس قلقلة أي خمس عالية أي معروفة ظاهرة لأن العالي أبدا ظاهرا قال الداني هي حروف مشربة ضغطت من مواضعها فإذا وقف عليها خرج معها صوت من الفم ونبا اللسان عن موضعه وقال مكي القلقلة صويت حادث عند خروج حرفها لضغطه عن موضعه ولا يكون إلا عند الوقف ولا يستطاع أن يوقف عليه دونها مع طلب إظهار ذاته وهي مع الروم أشد قال الشيخ سميت بذلك لأنك إذا وقفت عليها تقلقل اللسان حتى تسمع عند الوقف على الحرف منها نبرة تتبعه وقال الشيخ أبو عمرو سميت بذلك إما لأن صوتها صوت أشد الحروف أخذا من القلقلة التي هي صوت الأشياء اليابسة وإما لأن صوتها لا يكاد يتبين به سكونها ما لم يخرج إلى شبه التحريك يشبه أمرها من قولهم قلقله إذا حركه وإنما حصل لها ذلك لاتفاق كونها شديدة مجهورة فالجهر يمنع النفس أن يجري معها والشدة تمنع أن يجري صوتها فلما اجتمع لها هذان الوصفان وهو امتناع جرى النفس معها وامتناع جرى صوتها احتاجت إلى التكلف في بيانها فلذلك يحصل من الضغط للمتكلم عند النطق بها ساكنة حتى تكاد تخرج إلى شبه تحركها لقصد بيانها إذ لولا ذلك لم يتبين لأنه إذا امتنع النفس والصوت تقدر بيانها ما لم يتكلف بإظهار أمرها على الوجه المذكور وقال ابن مريم الشيرازي وهي حروف مشربة في مخارجها إلا أنها لا تضغط ضغط الحروف المطبقة غير أنها قريبة منها فإن فيها أصواتا كالحركات تتقلقل عند خروجها أي تضطرب ولهذا سميت حروف القلقلة قال وزعم بعضهم أن الضاد والزاي والذال والطاء منها لثبوتها وضغطها في مواضعها إلا أنها وإن كانت مشربة في مخارجها فإنها غير مضغوطة كضغط الحروف الخمسة المذكورة ولكن يخرج معها عند الوقف عليها شبه النفخ قال وامتحان حروف القلقلة أن تقف عليها فإذا وقفت خرج منها صويت كالنفح لنشرها في اللها واللسان
1159وَأَعْرَفُهُنَّ الْقَافُ كُلُّ يَعُدُّهَا فَهذَا مَعَ التَّوْفِيقِ كَافٍ مُحَصِّلاَأي أعرف القلقلة القاف أي هي المشهورة بذلك المتضح فيها هذا الوصف فاعرف هذا الموضع هو من التفضيل في باب المفعول وهو مما شذ في كلامهم مثل هو أحد منه وأشهر ثم قال كي يعدها أي هي مجمع على عدها من حروف القلقلة قال الشيخ أبو الحسن قالوا أصل القلقلة للقاف لأن ما يحس به من شدة الصوت المتصعد من الصدر مع الضغط والحقر فيه أكثر من غيره قال وعد المبرد منها الكاف إلا أنه جعلها دون القاف لأن حصر القاف أشد قال المبرد وهذه القلقلة بعضها أشد من بعض فإذا وصلت ذهبت تلك النبرة لأنك أخرجت لسانك عنها إلى صوت آخر فحال بينه وبين الاستقرار ، فهذا آخر الكلام في صفات الحروف التي تعرض الناظم لذكرها وهي منقسمة إلى ما يشعر بقوة وإلى ما يشعر بضعف والجهر والشدة والاستعلاء والإطباق والصفير والقلقلة والتكرير والتفشي والاستطالة والانحراف علامات القوة وأما الهمس والرخاوة والتسفل والانفتاح والمد والاعتلال والهوى فعلامات الضعف فلا تغفل في تطلب تجويد القراءة من مراتب الحروف على حسب تمكنها من القوة والضعف وليست صفات القوة ولا صفات الضعف متساوية فكل قسم منها مختلف المراتب وقد اتفق له اللفظ بجميع الحروف في هذه الصفات التي ذكرها سوى الزاي المعجمة وفيها من الصفات ما ذكره في البيت الأول وهو وجهر ورخو وانفتاح صفاتها ومستفل وعرف ذلك وغيره من ضد ما ذكره والله أعلم وقوله فهذا مع التوفيق كاف أي فهذا الذي ذكرته إذا وفق الله من عرفه يكفيه في هذا العلم ومحصلا مفعول كاف أي يكفي الطالب المشتغل المحصل ويجوز أن يكون حالا من الضمير في كاف أي في حال كونه محصلا لغرض الطالب محتويا عليه
1160وَقَدْ وَفقَ اللهُ الكَرِيمُ بِمَنِّهِ لإِكْمَالِهَا حَسْنَاءَ مَيْمُونَةَ الْجِلاَالمن الأنعام وحسناء ميمونة حالان ومعنى ميمونة الجلا مباركة البروز أي كما ظهرت للناس كانت مباركة الطلعة وقد صدق رضي الله عنه فإن بركتها عمت كل من حفظها وأتقنها ولو لم يكن إلا كثرة الفوائد الحاصلة من ناظمها
1161وَأَبْيَاتُهَا أَلْفٌ تَزِيدُ ثَلاَثَةً وَمَعْ مائَةٍ سَبْعِينَ زُهْراً وَكُمَّلاَفاعل تزيد ضمير راجع إلى الأبيات لا إلى الألف فإن الألف تذكر وثلاثة نصب على التمييز وسبعين عطف عليه والتقدير وتزيد أيضا سبعين مع مائة فصار المجموع ألفا ومائة وثلاثة وسبعين وزهرا وكملا حالان من الضمير في تزيد الراجع إلى الأبيات أي هي زاهرة كاملة يعني مضيئة كاملة الأوصاف ويجوز أن يكونا صفتين للتمييز أي تزيد أبياتها على الألف أبياتا زاهرة وكاملة والوجه الأول أولى لأنه أعم وصفا لأنه يفيد وصف الجميع بخلاف الوجه الثاني
1162وَقَدْ كُسِيَتْ مِنْهَا الْمَعَانِي عِنَايَةً كَمَا عَرِيَتْ عَنْ كُلِّ عَوْرَاءَ مِفْصَلاَأثنى في هذا البيت على معانيها وألفاظها فنصب عناية على أنه مفعولي كسيت أي أنه اعتنى بها فجاءت شريفة المعاني حسنة المباني وقابل بين الكسوة والعرى فقال كسيت معانيها عناية وعريت في التعبير عنها عن كل جملة عورا أي لا تنبيء عن المعنى المقصود فهي ناقصة معينة ونصب مفصلا على التمييز أي عن كل جملة عابت مفصلا والمفصل العضو أي عن كل ما قبح مفصله ويجوز أن يكون فاعل عريت ضميرا عائدا على القصيدة ومفصلا تمييز منه أي كما عريت مفاصلها عن العيوب وعني بذلك القافية أو جميع أجزاء القصيدة جعلها عروسا حسناء ميمونة الجلوة منزهة المفاصل عن العيوب على طولها وصعوبة مسلكها قال الشيخ رحمه الله وغيره ينظم أرجوزة يعني على قواف شتى فيضطره النظم إلى أن يأتي في قوافيها ومقاطعها وأجزائها بما تمجه الأسماع
1163وَتَمَّتْ بِحَمْدِ اللهِ فِي الْخَلْقِ سَهْلَةً مُنَزَّهَةً عَنْ مَنْطِقِ الْهُجْرِ مِقْوَلاَسهولة خلقها انقيادها لمن طلبها أي إن كل أحد ينقل منها القراءات إذا عرف رموزها من غير صعوبة ولا كلفة ونصب سهلة ومنزهة على الحال ومقولا تمييز وهو اللسان والهجر الفحش أي ليس فيها كلمة قبيحة يستحي من سماعها
1164وَلكِنَّهَا تَبْغِي مِنَ النَّاسِ كُفْؤَهَا أَخَائِقَةٍ يَعْفُو وَيُغْضِي تَجَمُّلاَ، الكفؤ المماثل وأخائفة صفة للكفؤ أو بدل منه والإغضاء الستر ونصب تجملا على أنه مفعول من أجله جعل كفؤها من كان بهذه الصفة لأنه لثقته يعترف بأحسن ما فيها ويقف ويقضي عن الازدراء لما لا بد للبشر منه قال الله تعالى-ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا-ثم إذا كان هذا الكفؤ أهلا لانتقادها فهو عالم وحينئذ يرى فيها من الفوائد والغرائب ما يغضي معه عن شيء يراه ولا يعجبه منها إلا أن يذكره على سبيل التنبيه على الفائدة كما أشرنا إليه في مواضع منها فإن هذه طريقة العلماء نصحا لمن يقف عليه ممن لا يبلغ درجته في العلم ذلك والمعاملة مع الله سبحانه والأعمال بالنيات سهل الله تعالى لمن يقف على كلامنا أن يعاملنا تلك المعاملة لكن الزمان قد فسد وكثر من أهله النكد فما يرضون عن أحد والمستعان عليهم ربنا الواحد الصمد
1165وَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ ذُنُوبُ وَلِيِّهَا فَيَا طَيِّبَ الأَنْفَاسِ أَحْسِنْ تَأَوُّلاَوليها أي ناظمها أي أنها لما تكاملت صفات حسنها يعرو مفاصلها عن كل عوراء وكونها سهلة الخلق واعتنى بمعانيها ابتغت عند ذلك كفؤا يصلح للاتصال بها فما فيها ما يمنع الكفؤ منها إلا ذنوب وليها المتولي أمرها وكل هذه استعارات حسنة ملائم بعضها لبعض يعني أن صد الناس عنها أمر فما هو إلا ما يعلمه وليها في نفسه وإنما قال ذلك رحمه الله تواضعا لله والمؤمن يهجم نفسه بين يدي الله تعالى ويعترف بتقصيره في طاعته ولو بلغ منها ما بلغ وإلا فوليها رحمه الله كان أحد أولياء الله تعالى وقد لقيت جماعة من أصحابه مشايخ أئمة أكابر في أعيان هذه الأمة بمصر والشام وكلهم يعتقد فيه ذلك وأكثر منه مع إجلال له وتعظيم وتوقير حتى حملني ذلك منهم على أن قلت ، (لقيت جماعة فضلاء فازوا بصحبة شيخ مصر الشاطبي) ، (وكلهم يعظمه كثيرا كتعظيم الصحابة للنبي) ، وكأنه رحمه الله أشار بقوله فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا إلى ذلك أي احمل كلامي على أحسن محامله وهو ما حملناه عليه من التواضع وهو كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وليت عليكم ولست بخيركم وكقول عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه في خطبته بعد ما وعظ وذكر أما أني أقول لكم ولا أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي أو كما قال وكان الناظم يقول الغرض بها أن ينفع الله بها عباده وينفع بالتعب عليها قائلها فإذا كان مذنبا عاصيا خشي أن يخمد الله علمه فلا ينتفع به أحد ثم إنه رحمه الله قال فيما أخبرني عنه شيخنا أبو الحسن وغيره لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله تعالى بها لأني نظمتها لله وتأولا مفعول أحسن أو تمييز كما تقول طب نفسا وقر عينا لتطيب نفسك ولتقر عينك وليحسن تأويلك للكلام وذلك بحمله على أحسن محامله
1166وَقُلْ رَحِمَ الرَّحمنُّ حَيًّا وَمَيِّتًا فَتًى كَانَ لِلإِنْصَافِ وَالْحِلْمِ مَعْقِلاَفتى مفعول رحم وحيا وميتا حالان منه متقدمان عليه وهذا اللفظ وجدته للإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل لما أرسل إليه آدم بن أبي إياس يعظه ويقوي نفسه على الصبر في أيام المحنة إذ كان محبوسا فقال أحمد حيا وميتا يعني آدم ذكره الخطيب أبو بكر في تاريخه في ترجمة آدم ثم وصف المفتي بقوله للإنصاف والحلم معقلا أي حصنا أو موضعا لعقل الإنصاف والحلم وقد حمل الشيخ وغيره هذا البيت على أن الناظم عنى بالفتى نفسه ومدحها بذلك فاستبعدت ذلك من جهة أنه غير ملائم لتواضعه بقوله وليس إلا ذنوب وليها ولا هو مناسب لطلب الترحم عليه فإن اللائق أن يقال اللهم ارحم عبدك الفقير إليك وهو ذلك فيما إذا أريد به شخص معين ولا نزكي ذلك الشخص أما إذا كان الدعاء لعموم من اتصف بتلك الصفة فإنه سائغ نحو اللهم ارحم أهل الحلم والكرم والعلم فاستنبطت له وجهين آخرين أحدهما أنه أمر بالترحم على من كانت هذه صفته لأنه ندب إلى الإنصاف بنحو ذلك من قبل حين قال أخائقة يعفو ويغضي تجملا وبقوله (فياطيب الأنفاس أحسن تأولا ) ، فكأنه قال وقل رحم الله من كان بهذه الصفة ثم قال عسى الله يدني سعيه أي سعى وليها المذكور في قوله وليس لها إلا ذنوب وليها فيكون الابتداء ترج منه أو يكون داخلا في المقول أي قل هذا وهذا أي ادع لمن اتصف بتلك الصفة وادع لناظم القصيدة ووليها الوجه الثاني أن يكون المأمور به في قوله وقل البيت الآخر وهو عسى الله يدني سعيه أي قل ذلك وترجه من الله تعالى ويكون قوله رحم الرحمن حيا وميتا دعاء من المصنف لمن اتصف بهذه الصفات وهو كلام معترض بين فعل الأمر والمأمور به وكلاهما وجه حسن
1167عَسَى اللهُ يُدْنِي سَعْيَهُ بِجِوَارِهِ وَإِنْ كَانَ زَيْفاً غَيْرَ خَافٍ مُزَلَّلاَيدني أي يقرب سعيه أي ما سعى له من عمل البر بجوازه أي بأن يجعله جائزا فلا يرده بل يتقبله على ما فيه من الخلل فأومأ إلى ذلك بقوله وإن كان زيفا أي رديئا يقال للدرهم الرديء زيف وزايف وأراد بقوله غير خاف أي زيفه ظاهر لا يخفى على من له بصيرة بالأعمال الصالحة ومزللا مثل زيفا يقال زلت الدراهم أي نفقت في الوزن فمزلل بمعنى منقوص هذا كله إن كان اسم كان ضميرا عائدا على السعي وإن عاد على الناظم صاحب السعي فالمعنى أنها منسوب إلى الزلل والزلة الخطيئة وكل ما ذكرناه على أن تكون الهاء في بجوازه للسعي ويجوز أن تكون للساعي أي يدني سعيه بأن يجوز وليه الصراط يقال جزت الموضع أجوزه جوازا إذا سلكته فالمصدر في بجوازه مضافا إلى فاعله ويجوز أن يكون مضافا إلى مفعوله على أن يكون من الجواز بمعنى السقي أي لسقيه من الحوض يوم العطش الأكبر أي يكون ذلك من علامة إدناء سعيه وتقريبه وقبوله جعلنا الله كذلك آمين
1168فَيا خَيْرَ غَفَّارٍ وَيَا خَيْرَ رَاحِمٍ وَياَ خَيْرَ مَأْمُولٍ جَداً وَتَفَضُّلاَالجد بالقصر العطية وبالمد الغنا والنفع فيجوز أن يكون قصر الممدود وهو تفضلا منصوبان على التمييز
1169أَقِلْ عَثْرَتِي وَانْفَعْ بِهاَ وَبِقَصْدِهاَ حَنَانَيْكَ يَا اللهُ يَا رَافِعَ الْعُلاَالعبرة الزلة والإقالة فيها الخلاص من تبعها وأنفع بها أي بهذه القصيدة من طلب النفع بها وبقصدها يعني من قصد الانتفاع بها وإن لم يقو عليها فانفعه بقصده ويدخل الناظم في هذا الدعاء لأنه قصد نظمها ونفع الناس بها وقد حقق الله رجاءه واستجاب دعاءه ثم قال حنانيك فطلب التحنن من الله تعالى وهذا أحد المصادر التي جاءت بلفظ التثنية المضافة إلى المخاطب نحو لبيك وسعديك والمراد بها المداومة والكثرة أي تحنن علينا تحننا بعد تحنن وقطع همزة اسم الله في النداء جائز تفخيما له واستعانة به على مد حرف النداء مبالغة في الطلب والرغبة ثم كرر النداء بقوله يا رافع العلا أي يا رافع السموات العلى كما قال تعالى تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى
1170وَآخِرُ دَعْوَانَا بِتَوْفِيقِ رَبِّنَا أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي وَحْدَهُ عَلاَختم دعاءه بالحمد كما قال الله تعالى إخبارا عن أهل الجنة جعلنا الله بكرمه منهم-وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين-فالباء في بتوفيق ربنا يجوز أن يتعلق بدعوانا لأنه مصدر كما تقول دعوت بالرحمة والمغفرة ويجوز أن تكون باء السبب أي إنما كان آخر دعوانا أن الحمد لله بسبب توفيق ربنا لاتباع هذه السنة التي لأهل الجنة
1171وَبَعْدُ صَلاَةُ اللهِ ثُمَّ سَلاَمُهُ عَلَى سَيِّدِ الْخَلْقِ الرضَا مُتَنَخِّلاَأي وبعد تحميد الله تعالى وذكره فنصلي ونسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقوله صلاة الله ثم سلامه مبتدأ وخبره على سيد الخلق أي حالان عليه والرضى نعت أي المرتضي ومتنخلا نصب على الحال أي مختارا ثم بينه فقال
1172مُحَمَّدٌ الْمُخْتَارُ لِلْمَجْدِ كَعْبَةً صَلاَةً تُبَارِي الرِّيحَ مِسْكاً وَمَنْدَلاَمحمد عطف بيان وكعبة ثاني مفعولي المختار لأنه اسم مفعول واقع صلة للألف أو اللام والتقدير الذي اختير كعبة واللام في للمجد يجوز أن تكون للتعليل أي اختير كعبة تؤم وتقصد من أجل المجد الحاصل له في الدارين ويجوز أن تكون من تتمة قوله كعبة أي كعبة للمجد أي لا مجد أشرف من محمد كما أن كعبة مكة شرفها الله تعالى أشرف ما فيها أو على معنى أن المجد طائف كما يطاف بالكعبة وقول الناس هو كعبة الكرم إنما يراد به أن يحج إليه ويقصد من أجل كرمه كالكعبة وهذه المعاني كلها موجودة في المصطفى صلى الله عليه وسلم وصلاة نصب على المصدر أي أصلي صلاة هذه صفتها أو يكون منصوبا على المدح لأن ما تقدم من قوله صلاة الله يغني عن هذا التقدير ومعنى تباري الريح تعارضها وتجري جريها في العموم والكثرة ومسكا ومندلا حالان أي ذات مسك ومندل وهو العود أو صلاة طيبة فيكونان صفة لها والطيب يكنى به عن الثناء الحسن ويجوز أن يكونا تمييز بن كمال يقال فلان تيار الريح سخاء أي يجري سخاوة جريها وتعم عموم هبوبها فالمعنى تباريها مسكها أو مندلها والريح أيضا تحمل الرائحة الطيبة مما تمر به من النبات الطيب الريح فقد اتضحت مباراة الصلاة للريح في حالة الطيب من الجهتين
1173وَتُبْدِي عَلَى أَصْحَابِهِ نَفَحَاتِهَا بِغَيْرِ تَنَاهٍ زَرْنَبًا وَقَرَنْفُلاَأي وتشهر هذه الصلاة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم نفحاتها بغير تناه أي لا نهاية لها ولا تناهي لإصابتها إياهم أي دائمة سرمدية وزرنبا وقرنفلا حالان أي مشبهة ذلك وهذا مما يقوي أن مسكا ومندلا في البيت السابق أيضا حالان فالقرنفل معروف والزرنب ضرب من النبات طيب الرائحة كرائحة الأترج ورقه كورق الطرفاء وقيل كورق الخلاف وفي حديث أم زرعة زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب ، وقال الشاعر ، (بأبي أنت وقول الأشيب كأنما زر عليه الزرنب) ، أو زنجبيل وهو عندي أطيب والزرنب والقرنفل دون المسك والمندل من الطيب فحسن تشبيه الصلاة على الصحابة بذلك لأنهم في الصلاة تبع للنبي صلى الله عليه وسلم فلهذا أصابتهم نفحاتها وبركاتها رضي الله عنهم وأرضاهم آمين آمين آمين وقد تم الكتاب والحمد لله رب العالمين.