قراءة لهذا الموضوع

الرقمالبيتالشرح
445وَمَا يَخْدَعُونَ الْفَتْحَ مِنْ قَبْلِ سَاكِنٍ وَبَعْدُ (ذَ)كَا وَالْغَيْرُ كَالْحَرْفِ أَوَّلاَقوله وما تقييد للحرف المختلف فيه احترازا من الأول وهو قوله(يخادعون الله) ، فإنه ليس قبله وما والساكن الخاء والفتح قبله في الياء وبعده في الدال وهذا تقييد لم يكن محتاجا إليه لأنه قد لفظ بالقراءة ونبه على القراءة الأخرى بما في آخر للبيت لأنه لا يمكن أخذها من أضداد ما ذكر فهو زيادة بيان ، فإن قلت احترز بذلك عن أن يضم أحد الياء ، قلت ليس من عادته الاحتراز عن مثل هذا ألا تراه يقول سكارى معا سكرى ولم يقل بضم السين اكتفاء باللفظ ، فالوجه أن يقال هو زيادة بيان لم يكن لازما له وهو مثل قوله في سورة الحج ويدفع حق بين فتحيه ساكن وذكا بمعنى اشتعل وأضاء وأولا ظرف أي وقراءة الغير كالحرف الواقع أولا وأجاز الشيخ أن يكون حالا وأطلق الناظم الحرف على الكلمة على ما سبق في قوله لعل حروفهم وقوله وفي أحرف وجهان وما يأتي من قوله وفي الروم والحرفين في النحل أولا وذلك سائغ ومنه قول أبي القاسم الزجاجي باب الحروف التي ترفع الاسم وتنصب الخبر يعني كان وأخواتها أي اقرءوا ، (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون) ، ففي هذه القراءة رد لفظ ما ابتدأ به وأجمع عليه ومن قرأ الثانية (يخدعون) ، نبه على أن الأولى بهذا المعنى وأن فاعلت هنا بمعنى فعلت نحو طارقت النعل وسافرت وعاقبت وقيل جعلوا خادعين لأنفسهم لما كان ضرر ذلك عائدا إليهم كقوله تعالى في موضع آخر (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) ، وإنما أجمع على الأول وعدل فيه من فعل إلى فاعل كراهة التصريح بهذا الفعل القبيح أن يتوجه إلى الله سبحانه فأخرج مخرج المحاولة لذلك والمعاناة له والله أعلم
446وخَفَّفَ كُوفٍ يَكْذِبُونَ وَيَاؤُهُ بِفَتْحٍ وَلِلْبَاقِينَ ضُمَّ وَثُقِّلاَعني بالتخفيف إسكان الكاف وإذهاب ثقل الذال والباقون ثقلوا موضع تخفيف هؤلاء فلزم تحريك الكاف وإن لم يتعرض له إذ لا يمكن تثقيل الذال إلا بفتح الكاف وضم الياء والقراءتان ظاهرتان فإن المنافقين لعنهم الله قد وصفوا في القرآن بأنهم كاذبون في مواضع كثيرة ومع أنهم كاذبون هم يكذبون لأن الله تعالى وصفهم بقوله (وما هم بمؤمنين) ، ومن لم يكن مصدقا فهو مكذب ولا خلاف في تخفيف (بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) ، كما أنه لا خلاف في تثقيل قوله تعالى (بل الذين كفروا يكذبون) ، ونحوه ولا يرد على الناظم ذلك لأنه لم يقل جميعا ولا بحيث أتى ولا نحو ذلك وتلك عادته فيما يتعدى الحكم فيه سورته إلا مواضع خرجت عن هذه القاعدة سننبه عليها في مواضعها منها ما في البيت الآتي (والتوراة-و-كائن) ، وضى فعل ماض لا أمر بل هو من جنس ما عطف عليه من قوله وثقلا والله أعلم
447وَقِيلَ وَغِيضَ ثُمَّ جِيءَ يُشِمُّهَا لَدى كَسْرِهَا ضَمَّا (رِ)جَالٌ (لِـ)تَكْمُلاَ0
448وَحِيلَ بِإِشْمَامٍ وَسِيقَ (كَـ)ـمَا (رَ)سَا وَسِيءَ وَسِيئَتْ (كَـ)ـانَ (رَ)ـاوِيهِ (أَ)نْبَلاَأراد (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض-وإذا قيل لهم آمنوا) ، وما جاء من لفظ قيل فهو فعل ماض (وغيض الماء-وجيء بالنبيين-وجيء يومئذ-وحيل بينهم-وسيق الذين) ، موضعان في آخر الزمر (وسيء بهم) ، في هود والعنكبوت (وسيئت وجوه الذين كفروا) ، فأطلق هذه الأفعال ولم يبين مواضع القراءة وفيها ما قد تكرر والعادة المستمدة منه فيما يطلق أن يختص بالسورة التي هو فيها كما في-يكذبون-السابقة ولكن لما أدرك مع قيل هذه الأفعال الخارجة عن هذه السورة كان ذلك قرينة واضحة في طرد الحكم حيث وقعت قيل وغيرها من هذه الأفعال ورجال فاعل يشمها وضما مفعول ثان والمراد بالإشمام في هذه الأفعال أن ينحى بكسر أوائلها نحو الضمة وبالياء بعدها نحو الواو فهي حركة مركبة من حركتين كسر وضم لأن هذه الأوائل وإن كانت مكسورة فأصلها أن تكون مضمومة لأنها أفعال ما لم يسم فاعله فأشمت الضم دلالة على أنه أصل ما يستحقه وهو لغة للعرب فاشية وأبقوا شيئا من الكسر تنبيها على ما استحقته هذه الأفعال من الاعتلال ولهذا قال لتكملا أي لتكمل الدلالة على الأمرين وهذا نوع آخر من الإشمام غير المذكور في الأصول وقد عبروا عنه أيضا بالضم والروم والإمالة ومنهم من قال حقيقته أن تضم الأوائل ضما مشبعا وقيل مختلسا وقيل بل هو إيماء بالشفتين إلى ضمة مقدرة مع إخلاص كسر الأوائل ثم القارئ مخير في ذلك الإيماء إن شاء قبل اللفظ أو معه أو بعده والأصح ما ذكرناه أولا ومن أخلص الكسر فلأجل الياء الساكنة بعده كميزان وميقات وهو اللغة الفاشية المختارة وقال مكي الكسر أولى عندي كما كان الفتح أولى من الإمالة ونافع وابن ذكوان جمعا بين اللغتين ورسا أي استقر وثبت وأنبلا أي زائد النبل وأما قيل الذي هو مصدر فلا يدخل في هذا الباب إذ لا أصل له في الضم وهو في نحو (ومن أصدق من الله قيلا-وقيله يا رب-إلا قيلا سلاما سلاما-وأقوم قيلا) ، والرمز في هذين البيتين رجال لتكملا كما رسا كان راويه أنبلا والله أعلم
449وَهَا هُوَ بَعْدَ الْوَاوِ وَالْفَا وَلاَمِهَا وَهَا هِيَ أَسْكِنْ (رَ)اضِياً (بَـ)ـارِداً (حَـ)لاَأي إذا كانت الهاء من لفظ هو والهاء من لفظ هي بعد واو أو فاء أو لام زائدة نحو (وهو بكل شيء-فهو وليهم اليوم-وإن الله لهو الولي-وهي تجري بهم-فهي كالحجارة-لهي الحيوان) ، فأسكن الهاء في هذه المواضع الكسائي وقالون وأبو عمرو لأن اتصال هذه الحروف بها صيرت الكلمة مشبهة لفظ عضد وكتف فأسكنت الهاء كما أسكنا تخفيفا وقولنا زائدة احتراز من نحو (لهو الحديث-إلا لهو ولعب) ، فالهاء ساكنة باتفاق لأنها ليست هاء هو الذي هو ضمير مرفوع منفصل وذلك معروف ولكنه قد يخفى على المبتدئ فبيانه أولى وقصر لفظ ها في الموضعين ضرورة والضمير في لامها للحروف أو للفظ هو لكثرة دخولها عليها وراضيا حال وباردا مفعول به وحلا صفة باردا كما تقول رضيت شيئا جيدا وباردا من قولهم غنيمة باردة أي حاصلة من غير مشقة ويمكن جعل الكل أحوالا ويكون راضيا حال من الفاعل وباردا حالا من المفعول نحو لقيته مصعدا منحدرا وقيل باردا نعت مصدر محذوف إي إسكانا باردا حلوا يروى عن من قرأ به كالماء البارد وهذا الحكم المذكور في هذا البيت أيضا مطرد حيث جاءت هذه الألفاظ لا يختص بهذه السورة ولم يصرح بذلك وكأنه اكتفى بضابط قوله بعد الواو وللفاء ولامها لأن المجموع ليس في سورة البقرة والله أعلم
450وَثُمَّ هْوَ (رُِ)فْقًا (بَـ)ـانَ وَالضَّمُّ غَيْرُهُمُ وَكَسْرٌ وَعَنْ كُلٍّ يُمِلُّ هُوَ انْجَلاَأراد (ثم هو يوم القيامة من المحضرين) ، لم يسكنه أبو عمرو لأن ثم ليس اتصالها بهو كاتصال الواو والفاء واللام بها لأن ثم كلمة مستقلة وأسكنه الكسائي وقالون حملا لثم على هذه الحروف لمشاركتها لها في الحرفية والواو والفاء في العطفية وقوله رفقا بان حال أي أسكنه ذا رفق بين أي أرفق به في تقرير وجه إسكانه والضم غيرهم في لفظ هو بعد هذه الحروف والكسر في لفظ هي بعدها وإنما بين قراءة الباقين لأنها لا تفهم من ضد الإسكان المطلق فإن ضده-على ما سبق في الخطبة-هو الفتح على أنه كان يمكنه أن لا يتكلف ببيان قراءة الباقين فإنها قد علمت من تلفظه بها في قوله وها هو وها هي فكأنه قال أسكن ضم هذه وكسر هذه ولو قال ذلك تصريحا لم يحتج إلى بيان قراءة الباقين فهذا المذكور في معناه وأما قوله تعالى في آية الدين (أن يمل هو) ، فلم يسكن الهاء أحد لأن يمل كلمة مستقلة وليست حرفا فتحمل على أخواتها وإنما ذكره لأن هو قد جاء فيها بعد لام فخشي أن تدخل في عموم قوله ولامها فقال ضمها عن كل القراء ولم يصرح بذلك ولكن لفظه أنبأ عنه ولهذا قال انجلا أي انكشف الأمر في ذلك وبعض المصنفين ذكر عن قالون إسكانها
451وَفِي فَأَزَلَّ اللاَّمَ خَفِّفْ لِحَمْزَةٍ وَزِدْ أَلِفًا مِنْ قَبْلِهِ فَتُكَمِّلاَيريد قوله تعالى (فأزلهما الشيطان) ، والهاء في قبله تعود إلى اللام فيصير فأزال ومعناهما واحد أي فنحاهما عنها وقيل يجوز أن يكون معنى قراءة الجماعة أوقعهما في الزلة وهي الخطيئة ، والفاء في فتكملا ليست برمز لأنه قد صرح بقوله لحمزة وإنما أتى بالفاء دون اللام لئلا يوهم رمزا فإن قلت لا يكون رمز مع مصرح باسمه قلت يظن أنها قراءة ثانية بالألف وقراءة حمزة بالتخفيف فقط فاختار الفاء لئلا يحصل هذا الإيهام وأراد فتكمل الألف الكلمة أو تكمل أنت الكلمة بزيادتك للألف وهو منصوب على جواب الأمر بالفاء
452وَآدَمَ فَارْفَعْ نَاصِباً كَلِمَاتِهِ بِكَسْرٍ وَلِلْمَكِّيِّ عَكْسٌ تَحَوَّلاَأي القراءة (فتلقى آدم من ربه كلمات) ، فيكون آدم فاعلا وكلمات مفعولا وعلامة نصبه الكسرة وعكس ابن كثير فجعل آدم مفعولا فنصبه وكلمات فاعلا فرفعها والمعنى واحد لأن ما تلقيته فقد تلقاك وكذا ما أصبته فقد أصابك وقوله وللمكي عكس أي عكس ما ذكر وحقيقة العكس لا تتحقق هنا من جهة أن نصب آدم ليس بكسر بل بفتح فهو عكس مع قطع النظر عن لفظ الكسر ولم يمكنه أن يقول وللمكي رفع لأنه لا يعرف الخلاف في آدم حينئذ لمن هو لأن رفع المكي مخصوص بكلمات وقوله تحولا أي المذكور إليه أو عكس تحول إلى هذا والله أعلم
453وَيُقْبَلُ الأُولى أَنَّثُوا (دُ)ونَ (حَا)جِزٍ وَعُدْنَا جَمِيعاً دُونَ مَا أَلِفَ (حَـ)لاَيريد قوله تعالى (ولا تقبل منها شفاعة) ، يقرأ بالتأنيث والتذكير أي بالتاء والياء فوجه التأنيث ظاهر لأن الشفاعة مؤنثة ولهذا قال دون حاجز أي مانع ووجه التذكير أن تأنيث الشفاعة غير حقيقي وكل ما كان كذلك جاز تذكيره لا سيما وقد وقع بينه وبين فعله فاصل وسيأتي له نظائر كثيرة واحترز بقوله الأولى أي الكلمة الأولى عن الأخيرة وهي (ولا يقبل منها عدل) ، فإن الفعل مذكر بلا خلاف لأنه مسند إلى مذكر وهو عدل وبعده (ولا تنفعها شفاعة) ، لم يختلف في تأنيثها لأنه لم يفصل بينهما كلمة مستقلة بخلاف الأولى وقرأ أبو عمرو (وعدنا) ، في البقرة والأعراف وطه بغير ألف بعد الواو لأن الله تعالى وعده وقرأ غيره-واعدنا- بألف بعد الواو على معنى وعدنا كقوله فحاسبناها وقيل يصح فيه معنى المفاعلة فإن قلت من أين يعلم من النظم أن قراءة الباقين بألف بعد الواو دون أن يكون بألف قبلها فيكون أوعدنا لأنه قال دون ما ألف ولم ينطق بقراءة الجماعة ولو كان لفظ بها لسهل الأمر قلت يعلم ذلك من حيث أنه أراد أوعدنا للزمه أن يبين إسكان الواو وتحريكها فلما لم يتعرض لذلك علم أنه غير مراد وأيضا فإن حقيقة الألف ثابتة في لفظ (واعدنا) ، وأما أوعدنا فهي حمزة قبل الواو فإطلاق الألف عليها مجاز والأصل الحمل على الحقيقة فيزول الإشكال على هذا مع ظهور القراءتين واشتهارهما وعدم صحة معنى الوعيد في هذه المواضع ولو قال وفي الكل واعدنا أو وجملة واعدنا بلا ألف حلا بطل هذا الإشكال لكن في-وعدنا-و-واعدنا-ألف بعد النون كان ينبغي الاحتراز عنها أيضا فإن قلت تلك لا يمكن حذفها ، فإن قلت وليس كل ما لا يمكن حذفه لا يحترز منه فإنه سيأتي في قوله وقالوا الواو الأولى سقوطها ولا يمكن إسقاط الثانية مع بقاء ضمة اللام ثم إنه أيضا يرد عليه ما في سورة القصص (أفمن وعدناه) وعدا حسنا ، فهو بغير ألف بلا خلاف وكذا الذي في الزخرف (أو نرينك الذي وعدناهم) ، فإن اعتذر له بأنه قال وعدنا بغير هاء والذي في القصص بزيادة هاء والذي في الزخرف بزيادة هاء وميم فلا ينفع هذا الاعتذار فإن الذي في طه بزيادة كاف وميم وهو قوله تعالى (وواعدناكم جانب الطور الأيمن) ، وصاحب التيسير نص على أن الخلاف في-وعدنا-و-وعدناكم-فخرج الذي في القصص فإنه لفظ ثالث والذي في الزخرف فإنه لفظ رابع فلو قال الناظم وعدنا وعدناكم بلا ألف حلا لخلص من هذا الإشكال ولكن خلفه إشكال آخر وهو أنه لم يقل جميعا ولكن يكون له أسوة بما ذكر في بيتي الإشمام ويبقى عليه الإشكالان المتقدمان في موضع الألف وما في قوله دون ما ألف زائدة والله أعلم
454وَإِسْكَانُ بَارِئِكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ لَهُ وَيَأْمُرُهُمْ أَيْضاً وَتَأْمُرُهُمْ تَلاَ0
455وَيَنْصُرُكُمْ أَيْضاً وَيُشْعِرُكُمْ وَكَمْ جَلِيلٍ عَنِ الْدُّورِيِّ مُخْتَلِساً جَلاَأي أسكن أبو عمرو في هذه المواضع كلها حيث وقعت حركة الإعراب تخفيفا وقد جاء ذلك عنه من طريق الرقيين كذا ذكر الداني ومكي وغيرهما ورواية العراقيين عن أبي عمرو الاختلاس وهي الرواية الجيدة المختارة فإن الإسكان في حركات الإعراب لغير إدغام ولا وقف ولا اعتلال منكر فإنه على مضادة حكمة مجيء الإعراب وجوزه سيبويه في ضرورة الشعر لأجل ما ورد من ذلك فيه نحو ، (وقد بدا هنك من الميزر فاليوم أشرب غير مستحقب) ، (ولا أعلام قد تعلل بالمناة فما تعرفكم العرب) ، ونحوه إذا اعوججن قلت صاحب مقوم ، قال أبو علي في الحجة أما حركة الإعراب فمختلف في تجويز إسكانها فمن الناس من ينكره فيقول إن إسكانها لا يجوز من حيث كان علما للإعراب قال وسيبويه يجوز ذلك في الشعر ، قال الزجاج روي عن أبي عمرو ابن العلا أنه قرأ (بارئكم) ، بإسكان الهمزة ، قال وهذا رواه سيبويه باختلاس الكسر قال وأحسب الرواية الصحيحة ما روى سيبويه فإنه أضبط لما روي عن أبي عمرو ، والإعراب أشبه بالرواية عن أبي عمرو لأن حذف الكسر في مثل هذا وحذف الضم إنما يأتي في اضطرار الشعر وفي كتاب أبي بكر بن مجاهد قال سيبويه كان أبو عمرو يختلس الحركة (من بارئكم-و-يأمركم) ، وما أشبه ذلك مما تتوالى فيه الحركات فيرى من يسمعه أنه قد أسكن ولم يسكن قال أبو بكر وهذا القول أشبه بمذهب أبي عمرو لأنه كان يستعمل في قراءته التخفيف كثيرا كان يقرأ (ويعلمهم الكتاب-ويلعنهم الله) ، يشم الميم من يعلمهم-والنون من-يلعنهم-الضم من غير إشباع وكذلك (عن أسلحتكم وأمتعتكم) ، يشم التاء شيئا من الخفض وكذلك (يوم يجمعكم) ، يشمها شيئا من الضم وفي كتاب أبي علي الأهوازي عن المازني عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلا قال سمعت أعرابيا يقول (بارئكم) ، فاختلس الكسر حتى كدت لا أفهم الهمزة قال أبو علي الفارسي وهذا الاختلاس وإن كان الصوت فيه أضعف من التمطيط وأخفى فإن الحرف المختلس حركته بزنة المتحرك قال وعلى هذا المذهب حمل سيبويه قول أبي عمرو (على بارئكم) ، فذهب إلى أنه اختلس الحركة ولم يشبعها فهو بزنة حرف متحرك فمن روى عن أبي عمرو الإسكان في هذا النحو فلعله سمعه يختلس فحسبه لضعف الصوت به والخفاء إسكانا وقال أبو الفتح بن جني في كتاب الخصائص الذي رواه صاحب الكتاب اختلاس هذه الحركة لا حذفها البتة وهو أضبط لهذا الأمر من غيره من القراء الذي رووه ساكنا ، قال ولم يؤت القوم في ذلك من ضعف أمانة لكن أتوا من ضعف دراية قال الشيخ في شرحه وقد ثبت الإسكان عن أبي عمرو والاختلاس معا ووجه الإسكان أن من العرب من يجتزى بإحدى الحركتين عن الأخرى قال وقد عزا الفراء ذلك إلى بني تميم وبني أسد وبعض النجديين وذكر أنهم يحققون مثل-يأمركم-فيسكنون الراء لتوالي الحركات ، قلت وكان الناظم رحمه الله مائلا إلى رواية الاختلاس وهو الذي لا يليق بمحقق سواه فقال وكم جليل أي كثير من الشيوخ الجلة جلوا الاختلاس عن الدوري وكشفوه وقرروه وعملوا به ومختلسا حال من الدوري أي جلا عن مذهبه في حال اختلاسه ونسب الناظم ذلك إلى الدوري وهو محكي عن أبي عمرو نفسه كما نسب إبدال الهمز الساكن إلى السوسي وهي محكي عن أبي عمرو كما سبق وسبب ذلك أن رواية الرقيين هي رواية السوسي ومن وافقه ورواية العراقيين هي رواية الدوري وأضرابه قال أبو علي الأهوازي ومعنى الاختلاس أن تأتي بالهمز وبثلثي حركتها فيكون الذي تحذفه من الحركة أقل مما تأتي به قال ولا يؤخذ ذلك إلا من أفواه الرجال ، قلت وقراءة الباقين بإشباع الكسر في (بارئكم) ، وإشباع الضم في البواقي ، فإن قلت من أين يؤخذ ذلك ، قلت ما بعد (بارئكم) ، قد لفظ به مضموما فهو داخل في قوله وباللفظ أستغنى عن القيد إن جلا وقد سبق في شرح الخطبة أن قوله وإسكان (بارئكم) ، لا يفهم منه القراءة الأخرى فإنه ليس ضد السكون الكسر ولو حصل التلفظ بالكسر لصار كالذي بعده ولو قال وبارئكم سكن لاستقام وقوله له أي لأبي عمرو ، فإن قلت لم لم يكن رمزا لهشام كما قال في موضع آخر بخلف له ولا يكون له ثوى ، قلت له لفظ صريح حيث يكون له ما يرجع إليه كهذا المكان وإن لم يكن له ما يرجع إليه فهو رمز وعلامة ذلك اقترانه في الغالب برمز آخر معه ومتى تجرد وكان له ما يرجع فحكمه حكم الصريح وقوله تلا ليس برمز وهو مشكل إذ لا مانع من جعله رمزا ويكون إسكان يأمرهم وما بعده للدوري عن الكسائي وكان ينبغي أن يحترز عنه بأن بقوله وتأمرهم حلا أو غير ذلك مما لم يوهم رمزا لغير أبي عمرو وأما جلا فظاهر أنه ليس برمز لتصريحه بالدوي والله أعلم
456وَفِيهَا وَفِي الأَعْرَافِ نَغْفِرْ بِنُونِهِ وَلاَ ضَمَّ وَاكْسِرْ فَاءه (حِـ)ـينَ (ظَـ)ـلَّلاَفيها يعني في البقرة (نغفر لكم خطاياكم) ، ولا ضم يعني الفتح في النون فتأخذ للغير بالضم وفتح الفاء وضد النون الياء ووجه النون أن قبله (وإذ قلنا) ، فهي نون العظمة فأشار بقوله حين ظللا إلى أنهم في ظل غفرانه سبحانه وتعالى
457وَذَكِّرْ هُنَا (أَ)صْلاً وَلِلشَّامِ أَنَّثُوا وَعَنْ نَافِعٍ مَعْهُ في الأعْرَافِ وُصِّلاَذكر في هذا البيت مذهب من بقي وهو نافع وابن عامر فقراءة نافع هنا على الضد من قراءة الجماعة بضم الياء وفتح الفاء وقراءته في الأعراف كقراءة ابن عامر في الموضعين بضم التاء المثناة من فوق وهو معنى قوله أنثوا وقوله وذكر أي اجعل موضع النون ياء مثناة من تحت وقد تقدم أن التأنيث غير الحقيقي يجوز فيه التذكير فلهذا قال أصلا لأن الخطايا راجعة إلى معنى الخطأ ونافع يقرأ في الأعراف (خطيئتكم) ، على جمع السلامة ففيه تاء التأنيث لفظا فترجح اعتبار التأنيث فلهذا أنث فيها وفي البقرة يقرأ-خطايا-وهو جمع تأنيثه معنوي فضعف أمر التأنيث فذكر وابن عامر أنث اعتبارا للمعنى وهو في الأعراف آكد لأنه يقرأ فيها بالإفراد (خطيئتكم) ، والضمير في وصلا راجع إلى التأنيث المفهوم من قوله أنثوا أي وصل التأنيث إلينا بالنقل عن نافع مع ابن عامر في الأعراف
458وَجَمْعاً وَفَرْداً فِي النَّبِيءِ وَفي النُّبُوءةِ الْهَمْزَ كُلٌّ غَيْرَ نَافِعٍ ابْدَلاَجمعا وفردا حالان من-النبيء-والهمز مفعول أبدل وتقدير البيت كل القراء غير نافع أبدل الهمزة في لفظ النبيء مجموعا ومفردا فالمجموع نحو (الأنبياء-والنبيين-و-النبيون) ، والمفرد نحو النبىء-ونبيء-ونبيئا-وفي لفظ-النبوءة-أيضا يريد قوله تعالى (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة) ، فلهذا كانت في البيت منصوبة على الحكاية وفي تقدم حال المجرور عليه خلاف عند النحويين فإن كان جائزا فإعراب جمعا وفردا على ما ذكرناه وإن لم يكن جائزا كان ذلك منصوبا بفعل مضمر أي وخذ جمعا وفردا في لفظ -النبيء-أو دونك ذلك ثم بين ما يفعل به فقال أبدل كل القراء الهمز فيه غير نافع يعني أن أصل هذه اللفظة الهمز لأنه من أنبأ إذا أخبر ثم فعل فيه بطريق تخفيف الهمز ما يفعله حمزة في نحو (خطيئة-وقروء-و-لئلا) ، من البدل الإدغام في نبيء-و-نبوة-ومن البدل في-أنبيا-أبدلت الهمزة الأولى ياء والأصل الهمز كما قال العباس بن مرداس ، يا خاتم النبئاء إنك مرسل ، فلما جمعه على فعلاء ظهرت الهمزتان ولما جمع على أفعلاء أبدلت الأولى ياء لانكسار ما قبلها فعلى هذا القراءتان بمعنى واحد لأن الهمز وإبداله لغتان لأن لغة الإبدال هي الفصيحة الفاشية حتى أن بعض النحاة رحمهم الله يقول التزمت العرب الإبدال في-النبي-و-البرية- وقال أبو علي في الحجة ، قال سيبويه بلغنا أن قوما من أهل التحقيق يخففون-نبي-و-برية- قال وذلك رديء قال وإنما استردأه لأن الغالب في استعماله التخفيف على وجه البدل من الهمز وذلك الأصل كالمرفوض ، قلت وقيل إن قراءة الجماعة يجوز أن تكون من نبا ينبو إذا ارتفع والنباوة الرفعة فلا يكون في الكلمة همز والأول أصح لمجيء الهمز فيه فيكون -النبيء- فعيلا بمعنى مفعول بمعنى أنه مخبر من جهة لله تعالى بما لا يخبر به غيره صلوات الله على جميع الأنبياء وسلامه ، قال أبو عبيد الجمهور الأعظم من القراء والعوام على إسقاط الهمز من-النبي-و-الأنبياء-والنبيين-في كل القرآن وكذلك أكثر العرب مع حديث رويناه مرفوعا إن كان حفظ حدثنا محمد بن ربيعة عن حمزة الزيات عن حمران بن أعين أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله فقال لست بنبيء ولكني نبي الله ، قال أبو عبيد ومعناه أنه أنكر عليه الهمز وقال لي أبو عبيدة العرب تترك الهمز في ثلاثة أحرف-النبي-و-البرية-والخابية-وأصلهن جميعا الهمز قال أبو عبيد وفيها حرف آخر رابع-الذرية-وهو من قوله (يذرؤكم فيه) ، قلت سأذكر إن شاء الله تعالى شرح هذه الأربعة الأحرف في شرح ما نظمته في النحو وأما هذا الحديث الذي ذكره أبو عبيد فقد أوله شيخنا أبو الحسن رحمه الله في شرحه بعد أن قال إنه غير صحيح الإسناد وقد أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه المستدرك فقال حدثني أبو بكر أحمد بن العباس بن الإمام المقرئ حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا خلف بن هشام حدثني الكسائي حدثني حسين الجعفي عن حمزان ابن أعين عن أبي الأسود الدؤلي عن أبي ذر قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، قلت ولا يظهر لي في تأويله إلا ما قاله أبو عبيد إنه أنكر عليه الهمز لأن تخفيفه هو اللغة الفحيحة وما أول الشيخ به الهمز لا ينفيه تخفيفه فإن-النبي-سواء كان من الإخبار أو غيره فتخفيف همزه جائز أو لازم والله أعلم
459وَقَالُونُ فِي اْلأَحْزَابِ فِي لِلنَّبيِّ مَعْ بُيُوتَ النَّبيِّ الْيَاءَ شَدَّدَ مُبْدِلاَيريد قوله تعالى (أن وهبت نفسها للنبي)و(لا تدخلوا بيوت النبي) ، خالف قالون أصله في الهمز في هذين الموضعين فقرأهما كالجماعة اعتبارا لا أصل له آخر تقدم في باب الهمزتين من كلمتين لأجل أن كل واحد من هذين الموضعين بعده همزة مكسورة ومذهبه في اجتماع الهمزتين المكسورتين أن يسهل الأولى إلا أن يقع قبلها حرف مد فتبدل فيلزمه أن يفعل ههنا ما فعل في (بالسوء إلا) ، أبدل ثم أدغم غير أن هذا الوجه متعين هنا لم يرو غيره وهذا يفعله قالون في الوصل دون الوقف لأن الوقف لا يجتمع فيه الهمزتان فإذا وقف وقف على همزة لا على ياء وقد أشار صاحب التيسير إلى ذلك حين قال وترك قالون الهمز في قوله في الأحزاب (للنبي إن أراد) ، و-(بيوت النبي) إلا في الموضعين في الوصل خاصة على أصله في الهمزتين المكسورتين
460وَفي الصَّابِئِينَ الْهَمْزَ وَالصَّابِئُونَ خُذْ وَهُزْؤاً وَكُفْؤاً في السَّوَاكِنِ (فُـ)صِّلاَأي خذ الهمز فيهما لأنه الأصل وروى الهمز رفعا على الابتدا أي وفي-الصابئين-في البقرة والحج وفي-الصابؤن-في المائدة الهمز ثم قال خذ أي خذ ما ذكرت بنية واجتهاد يقال صبأ يصبأ إذا خرج من دين إلى آخر وأبدل نافع الهمز فكأنه من صبا بلا همز كرمى ورعى فقرأ-الصابون-و-الصابين-كقولك الداعون والداعين ومثل هذا البدل لا يكون إلا سماعا لأنه همز متحرك بعد متحرك فهو كما قرئ-سأل سائل-بالهمز وبالألف كما يأتي فاجتمع في قراءة نافع همز-النبي-وترك همز-الصابئين والعكس الذي هو قراءة الجماعة أفصح وأولى وهذا نحو مما مضى في قراءة ورش ترقيق الراءات وتغليظ اللامات وأسند أبو عبيد عن ابن عباس أنه قال ما-الخاطون-إنما هي-الخاطئون-ما-الصابئون-إنما هي-الصابون-قال أبو عبيد وإنما كرهنا ترك الهمزة ههنا لأن من أسقطها لم يترك لها خلفا بخلاف-النبيين-وقرأ حمزة وحده (هزؤا-و-كفؤا) ، بإسكان الزاي والفاء تخفيفا والأصل الضم وهو قراءة الجماعة وقيل هما لغتان ليست إحداهما أصلا للأخرى ، قال مكي حكى الأخفش عن عيسى بن عمر قال كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم ففيه لغتان التخفيف والتثقيل وقوله في السواكن فصلا أي ذكرا في السواكن مفصلين أي عدا من جملة الأسماء التي سكن وسطها نحو قفل وشكر وكفر ثم ذكر قراءة الجماعة فقال
461وَضُمَّ لِبَاقِيهِمْ وَحَمْزَةُ وَقْفُهُ بِوَاوٍ وَحَفْصٌ وَاقِفاً ثُمَّ مُوصِلاَيجوز في ضم ، هنا أن يكون أمرا وأن يكون ماضيا لم يسم فاعله ورسمت الهمزة في هاتين الكلمتين بواو فوقف حمزة عليهما بالواو إتباعا للرسم مع كونه يسكن الوسط فهو يقول (هزوا-و-كفوا) ، على وزن جزؤا ولم يفعل مثل ذلك في جزأ وإن كان يسكن زايه أيضا لأن الهمزة في جزأ لم ترسم واوا فيقف على ما تمهد في باب وقفه على الهمز بنقل حركة الهمزة إلى الزاي الساكنة فيقول (جزا) ، على وزن هدى ومثل ذلك جار في-هزؤا-و-كفؤا-قياسا وقل من ذكره هنا قال صاحب التيسير قراءة حمزة بإسكان الزاي والفاء وبالهمز في الوصل فإذا وقف أبدل الهمز واوا إتباعا للخط وتقديرا لضمة الحرف المسكن قبلها يعني فلهذا لم ينقل حركة الهمز إلى الساكن وقال مكي وقف حمزة ببدل واو من الهمزة على غير قياس تباعا لخط المصحف قال وأما جزأ فكل القراء يسكن إلا أبا بكر فإنه ضم الزاي ووقف حمزة بإلقاء الحركة على الزاي يقول (جزا) ، على الأصل المتقدم وقال في الكشف كلهم همز في -هزوا-وكفوا-إلا حفصا فإنه أبدل من الهمزة واوا مفتوحة على أصل التخفيف لأنها همزة مفتوحة قبلها ضمة فهي تجري على البدل كقوله-السفهاء إلا-في قراءة الحرميين وأبو عمرو وكذلك يفعل حمزة إذا وقف كأنه يعمل الضمة التي كانت على الزاي والفاء في الأصل قال وكان يجب عليه على أصل التخفيف لو تابع لفظه أن يلقى حركة الهمزة على الساكن الذي قبلها كما فعل في-جزأ-في الوقف فكان يجب أن يقول-كفا-وهزا-لكنه رفض ذلك لئلا يخالف الخط فأعمل الضمة الأصلية التي كانت على الزاي والفاء في الهمزة فأبدل منها واوا مفتوحة ليوافق الخط ثم تأتي بالألف التي هي عوض من التنوين بعد ذلك فقوله وحفص مبتدا وخبره محذوف أي وحفص يقرأ بالواو في حال وقفه وإيصال الكلمة إلى ما بعدها يقال وصلت الشيء بالشيء وأوصلته إليه أي بلغته إليه وألصقته به والمستعمل في مقابلة الوقف هو الوصل لا الإيصال ولكنه عدل عن واصلا إلى موصلا كراهة السناد في الشعر فإنه عيب لأن هذا البيت كان يبقى مؤسسا بخلاف سائر أبيات القصيدة وإنما أبدل حفص هذه الهمزة واوا لأنها همزة مفتوحة قبلها ضم أراد تخفيفها وهذا قياس تخفيفها على باب ما سبق في باب وقف حمزة وانفرد حفص بهذه القراءة لأن كل من ضم الفاء لا يبدل هذه الهمزة أما السوسي فلأنها متحركة وأما ورش فلأنها لام الفعل وأما هشام في الوقف فلأنها متوسطة وأما حمزة فإنه وإن أبدل فإنه لم يضم الزاي والفاء ومن شأن حفص تحقيق الهمزة أبدا وإنما وقع له الإبدال في هاتين الكلمتين وسهل-أعجمي-جمعا بين اللغات ومن عادته مخالفة أصله في بعض الكلم كصلته (فيه مهانا) ، وإمالته مجراها ولم يصرح الناظم بقراءة حفص هنا وحذف ما هو المهم ذكره ولو أنه قال في البيت الأول-وهزؤا-وكفؤا-ساكنا الضم فصلا لاستغنى عن قوله وضم لباقيهم ثم يقول بدل البيت الثاني ، (وأبدل واوا حمزة عند وقفه وحفص كذا في الوصل والوقف أبدلا) ، ورأيت في بعض النسخ وهو بخط بعض الشيوخ ومنقول من نسخة الشيخ أبي عبد الله القرطبي رحمه الله ومقروءة عليه ومسموعة من لفظه عوض هذا البيت ، (وفي الوقف عنه الواو أولى وضم غيره ولحفص الواو وقفا وموصلا) ، وكتب عليهما معا ورأيت في حاشية نسخة أخرى مقروءة على المصنف هذا البيت يتفق مع وضم لباقيهم في المعنى ومخالفة في اللفظ وخير المصنف بينهما لأن كل واحد منهما يؤدي معنى الآخر ، قلت وهذا البيت أكثر فائدة لبيان قراءة حفص فيه والتنبيه على أن أصل حمزة في الوقف يقتضى وجها آخر وهو نقل الهمز وإنما إبداله واوا أولى من جهة النقل وإتباع الرسم على أن أبا العباس المهدوي قال في شرح الهداية الأحسن في-هزوا-وكفوا-أن يلقي حركة الهمزة على الزاي والفاء كما ألقيت في-جزأ-والله أعلم
462وَبِالْغَيْبِ عَمَّا تَعْمَلُونَ هُنَا (دَ)نَا وَغَيْبُكَ في الثَّانِي (ِإ)لَى (صَـ)ـفْوَهِ (دَ)لاَهنا أي بعد هزؤا وهو قوله تعالى (أتتخذنا هزؤا) ، ودنا أي دنا مما فرغنا منه يعني (عما يعملون-أفتطمعون) ، ووجه الغيب قطعه عن الأول واستئناف أخبار عنهم ولهذا قال بعده (أن يؤمنوا لكم) ، ووجه الخطاب رده على قوله (ثم قست قلوبكم-ويعني بالثاني-عما تعملون-أولئك الذين اشتروا الحياة) ، ووجه الغيب فيه ظاهر وهو موافقة ما قبله وما بعده ولهذا قال إلى صفوه دلا أي أخرج دلوه ملأى بعد أن أدلاها إلى صفوه وقيل دلوت الدلو وأدليتها بمعنى وهذه عبارة حلوة شبه هذه القراءة بماء صاف أرسل القارئ إليه آنية فاستخرجها وافية الامتلاء يشير إلى اختياره على ما هو أهل للاختيار ووجه الخطاب رده على قوله (فما جزاء من يفعل ذلك منكم) ، وفاعل قوله دنا ضمير (عما يعملون) ، وفاعل دلا ضمير قوله وغيبك والله أعلم
463خَطِيئَتُهُ التَّوْحِيدُ عَنْ غَيْرِ نَافِعٍ وَلاَ يَعْبُدُونَ الْغَيْبُ (شَـ)ـايَعَ (دُ)خْلَلاَلم يأت بواو فاصلة بين هاتين المسئلتين لأن قوله خطيئته لا يلتبس أنه رمز لأنه رمز لنافع فيما قبله ولأنه من لفظ القرآن وهو في البيت مبتدأ والتوحيد صفته على معنى ذو التوحيد أو يكون مبتدأ ثانيا أي التوحيد فيه كقولهم السمن منوان بدرهم ولو قال-خطيئاته-وحده عن غير نافع لكان لأحسن لأن فيه التلفظ بقراءة وتقييد أخرى ولئلا يوهم أن قراءة نافع بجمع التكسير كما قرئ شاذا-خطايا-والتوحيد في مثل هذا يفيد معنى الجمع كقوله تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) ، ووجه الجمع ظاهر لأن الذنوب متعددة وفي الإفراد موافقة قوله قبله (من كسب سيئة) ، أي وأحاطت به تلك السيئة وقيل في قراءة الجمع إن المراد بالسيئة الشرك فيبقى على موازنة (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) ، فالمعنى من أشرك وعمل السيئات والله أعلم وقوله شايع أي تابع والدخلل الذي يداخلك في أمورك وهو حال من الضمير في شايع والضمير عائد على الغيب أو على يعبدون فإن عاد على الغيب كان يعبدون مبتدأ والغيب مرفوع على أنه مبتدأ ثان أو بدل منه بدل اشتمال نحو زيد ثوبه حسن أي الغيب فيه تابع ما قبله وهو قوله (ميثاق بني إسرائيل) ، أي تابعه في حال كونه دخللا أي ليس بأجنبي ويجوز أن يكون دخللا مفعولا على هذا أي تابع دخيلا له وهو ما قبله من الغيبة وإن عاد الضمير على-يعبدون-كان الغيب مفعولا به أي تابع الغيب فيكون الغيب منصوبا ودخللا حال ووجه الخطاب أن بعده-وقولوا للناس-وهو حكاية حال الخطاب في وقته ولهذا يقال قلت لزيد لا تضرب عمرا بالياء والتاء وهو نهي بلفظ الخبر كما يجيء الأمر كذلك نحو-والمطلقات يتربصن- (والوالدات يرضعن-تؤمنون بالله) ، في سورة الصف ونحو القراءتين هنا ما يأتي في آل عمران (قل للذين كفروا ستغلبون) ، بالياء والتاء فالخطاب كقوله تعالى (و قل للذين لا يؤمنون اعملوا) ، والغيب- كقوله تعالى (قل للذين آمنوا يغفروا) ، وذلك قريب من قولهم يا تميم كلكم ويا تميم كلهم بالخطاب والغيب نظرا إلى النداء وإلى الاسم
464وَقُلْ حَسَناً (شُـ)ـكْراً وَحُسْناً بِضَمِّهِ وَسَاكِنِهِ الْبَاقُونَ وَاحْسِنْ مُقَوِّلاَشكرا حال أو مفعول له أي لأجل شكر الله أي اشكر نعمة الله بسبب ما يصدر منك من القول الحسن ثم بين قراءة الباقين وقيدها بالضم والإسكان ولزم من ذلك تقييد القراءة الأخرى وإن كان لفظها قد جلا عنها لأن الضم ضده الفتح والإسكان ضده التحريك المطلق والتحريك المطلق هو الفتح وكان يمكنه جعل هذا البيت والذي بعده واحدا فيقول ، (وقل حسنا شكرا وحسنا سواهما وتظاهروا تظاهرا خف ثملا) ، ويكون حذف النون للضرورة كقوله قل فطرن في هود ولم يقرأ أحد بحذف الياء وإسكان النون ثم لو قال وإسكانه الباقون أو وتسكينه لكان أولى من قوله وساكنه ليعطف مصدرا على مصدر ولا يصح ما ذكر إلا بتقدير بذي ضمه وساكنه أي بالمضموم والساكن وقوله بضمه وإسكانه أخصر وأولى وأوضح معنى والقراءتان بمعنى واحد كلا اللفظين نعت مصدر محذوف أي وقولوا للناس قولا حسنا وقولا حسنا هذا إن قلنا هما لغتان كالرشد والرشد والبخل والبخل والحزن والحزن وإن قلنا الحسن بالضم والإسكان مصدر فتقديره قولا ذا حسن ومقولا أي ناقلا لأن الناقل يقول غيره ما ينسبه إليه أي أحسن في نقلك وتوجيه ما تنقله من هذه القراءات ونصبه على التمييز كقولك لله دره فارسا وحسبك به ناصرا لأن النسبة في المعنى إلى مصادر هذه المنصوبات أي لله در فروسيته وحسبك نصرته وليحسن تقويلك وأداؤك لهذه الوجوه من القراءات في نسبتها إلى أربابها والله أعلم
465وَتَظَاهَرُونَ الظَّاءُ خُفِّفَ (ثَـ)ـابِتاً وَعَنْهُمْ لَدَى التَّحْرِيمِ أَيْضاً تَحَلَّلاَأي الظاء فيه خفف وثابتا حال أي في حال ثبوته والتقدير تخفيفا ثابتا فهو نعت مصدر محذوف وتحللا من الحلول أو التحليل أي وحل التخفيف عنهم أيضا في سورة التحريم في قوله تعالى (وإن تظاهرا عليه) ، والذي هنا-تظاهرون عليهم بالإثم-ووجه القراءتين ظاهر الأصل تتظاهرون وتتظاهرا فمن شدد أدغم التاء في الظاء ومن خفف حذف إحدى التاءين وأيتهما المحذوفة فيه اختلاف لأهل العربية وسيأتي له نظائر كثيرة وقابل بين لفظي التحريم وقوله تحللا وهو اتفاق حسن والله أعلم
466وَحَمْزَةُ أَسْرى فِي أُسَارى وَضَمُّهُمْ تُفَادُوهُمُو وَالْمَدُّ (إِ)ذْ (رَ)اقَ (نُـ)ـفِّلاَأي وقراءة حمزة أسرى أو حمزة يقرأ أسرى في موضع أسارى فلفظ بالقراءتين فلم يحتج إلى تقييد وأسرى جمع أسير كقتيل وقتلى وأسارى قيل أيضا جمع أسير كقديم وقدامى وقيل جمع جمع ككسلان لما جمعهما لمعنى وهو عدم النشاط فكما قالوا كسالى قالوا أسارى وقيل هو جمع أسرى وفداه وفاده واحد وقيل معنى المفاعلة محقق في فاد وقوله وضمهم يعني في التاء والمد يعني به الألف ويلزم من ذلك فتح الفاء والباقون بفتح التاء والقصر وإسكان الفاء ولو قال ، (أسارى قل أسرى فز وضم محركا لتفدوهم والمد إذ رق نفلا) ، لحصلت قيود القراءتين وراق الشراب أي صفا ورقني الشيء أعجبني ونفل أي أعطى النفل وهو الغنيمة يشير بذلك إلى ظهور معنى القراءة يريد قوله تعالى (وإن يأتوكم أسارى تفادوهم)
467وَحَيْثُ أَتَاكَ الْقُدْسُ إِسُكَانُ دَالِهِ (دَ)وَاءٌ وَلِلْبَاقِينَ بِالضَّمِّ أُرْسِلاَإنما كان إسكان داله دواء لأنه أخف وهما لغتان الضم لأهل الحجاز والإسكان لتميم وإنما احتاج إلى بيان قراءة الباقين لأن الإسكان المطلق ضده الفتح لا الضم وأرسل أي طلق ومرفوعه ضمير القدس أو الدال وحيث متعلق بالإسكان وتقديمه على عامله وهو مصدر من باب الاتساع في الظروف وقد نص على جوازه غير واحد من المحققين وكأن الناظم رحمه الله كان يرى ذلك فقد تكرر ذلك في نظمه وقد سبق في قوله وإن تزد لربك تنزيها وكان يمكنه أن يحترز هنا عن ذلك بأن يقول وإسكان دال القدس في كل موضع دواء
468وَيُنْزِلُ خَفِّفْهُ وَتُنْزِلُ مِثْلُهُ وَتُنْزِلُ (حَقٌّ) وَهْوَ في الْحِجْرِ ثُقِّلاَالتخفيف في هذا والتشديد لغتان وقيل في التشديد دلالة على التكثير والتكرير وبناء فعل يكون كذلك غالبا وأنزل ونزل واحد في التعدية وأنزل أكثر استعمالا في القرآن ويدل على أن نزل المشدد في معنى أنزل إجماعهم على قوله تعالى (لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) ، وإنما كرر الناظم هذه الألفاظ الثلاثة لأن مواضع الخلاف في القراءتين لا يخرج عنها من جهة أن أوائل الأفعال لا تخلو من ياء أو تاء أو نون وقوله وهو عائد على آخر الألفاظ الثلاثة المذكورة وهو ننزل لأن الذي في الحجر موضعان أحدهما لحمزة والكسائي وحفص (ما ننزل الملائكة) ، والآخر لجميع القراء وهو قوله (وما ننزله إلا بقدر معلوم) ، وفي هذا البيت نقص في موضعين أحدهما أن الألفاظ التي ذكرها لا تحصر مواضع الخلاف من جهة أن مواضع الخلاف منقسمة إلى فعل مسند للفاعل كالأمثلة التي ذكرها وإلى أمثلة مسندة للمفعول ولم يذكر منها شيئا نحو (أن ينزل عليكم من خير من ربكم-من قبل أن تنزل التوراة) ، فضابط مواضع الخلاف أن يقال كل مضارع من هذا اللفظ ضم أوله سواء كان مبنيا للفاعل أو للمفعول وقوله ضم أوله احترازا من مثل قوله (وما ينزل من السماء وما يعرج فيها) ، وبذلك ضبطه صاحب التيسر فقال إذا كان مستقبلا مضموم الأول وكذا قال مكي وغيره الموضع الثاني الذي في الحجر لم يبين من ثقله وليس في لفظه ما يدل على أن تثقيله لجميع القراء إذ من الجائز أن يكون المراد به مثقل لحق دون غيرهما خالفا أصلهما فيه كما خالف كل واحد منهما أصله فيما يأتي في للبيت الآتي وصوابه لو قال ، (وينزل حق خفه كيفما أتى ولكنه في الحجر للكل ثقلا) ، وهذا اللفظ يشمل الموضعين في الحجر لأن الأول وإن اختلفت القراءات فيه مشدد للجميع ، على ما يأتي بيانه في سورته أو يقول ننزله في الحجر للكل ثقلا فينص على ما يوهم أنه مختلف فيه ولا حاجة إلى التنبيه على الموضع الآخر لأن ذلك سيفهم من ذكره في سورته وقلت أيضا في نظم بدل هذا البيت وما بعده في هذه المسئلة ثلاثة أبيات ستأتي إن شاء الله
469وَخُفِّفَ لِلْبَصْرِي بِسُبْحَانَ وَالَّذِي في اْلأَنْعَامِ لِلْمَكِّي عَلَى أَنْ يُنَزِّلاَخالف أبو عمرو أصله في الأنعام فثقل لأنه جواب قوله (وقالوا لولا نزل عليه) ، وخالف ابن كثير أصله بسبحان وفيها موضعان وهما (وننزل من القرآن)-(حتى تنزل علينا كتابا) ، فثقل فيهما جمعا بين اللغتين وبين الذي في الأنعام بقوله على أن ينزل فهو عطف بيان ولو عكس فقال وثقل للمكي بسبحان والذي في الأنعام للبصري لأوهم انفراد كل واحد منهما بذلك وليس الأمر كذلك
470وَمُنْزِلُهَا التَّخْفِيفُ (حَقٌّ) شِفَاؤُهُ وَخُفِّفَ عَنْهُمْ يُنْزِلُ الْغَيْثَ مُسْجَلاَوافق حمزة والكسائي على تخفيف (إني منزلها عليكم) ، في المائدة كقوله تعالى قبله (ربنا أنزل علينا مائدة-وعلى تخفيف-ينزل الغيث) ، في لقمان والشورى لقوله في غير موضع (أنزل من السماء ماء-وأنزلنا من السماء ماء) ، ومسجلا أي مطلقا وهو نعت مصدر محذوف أي تخفيفا مطلقا ليعم الموضعين وقلت أنا ثلاثة أبيات بدل هذه الثلاثة ، (وينزل مضموم المضارع خفه لحق على أي الحروف تنقلا) ، (وخفف للبصري بسبحان والذي في الأنعام للمكي وفي الحجر ثقلا) ، (لكل لو حق شاء منزلها وينزل الغيث تخفيفا بحرفين أسجلا)
471وَجِبْرِيلَ فَتْحُ الْجِيمِ وَالرَّا وَبَعْدَهَا وَعى هَمْزَةً مَكْسُورَةً (صُحْبَةٌ) وِلاَ0
472بِحَيْثُ أَتَى وَالْيَاءَ يَحْذِفُ شُعْبَةٌ وَمَكِيُّهُمْ في الْجِيمِ بالْفَتْحِ وُكِّلاَوعى أي حفظ وهمزة مفعوله وصحبة فاعله أي همزوا بعد فتحهم الجيم والراء وحذف أبو بكر الياء بعد الهمزة فقرأ جبرئل والباقون أثبتوا الياء فقرأ حمزة والكسائي جبرءيل وابن كثير لم يفتح إلا الجيم وليس من أصحاب الهمز فقرأ (جبريل) ، والباقون بكسر الجيم والراء (جبريل) ، وكل هذه لغات في هذا الاسم وفيه غير ذلك والله أعلم
473وَدَعْ يَاءَ مِيكَأَئِيلَ وَالْهَمْزَ قَبْلَهُ (عَـ)ـلىً (حُـ)ـجَّةٍ وَالْيَاءُ يُحْذَفُ (أَ)جْمَلاَ، أي حذف أبو عمرو وحفص الهمز فبقي (ميكال) ، على وزن ميثاق وحذف نافع الياء وحدها فقرأ (ميكائل) ، والباقون أثبتوهما وكل ذلك لغات فيه أيضا وأجملا حال أو نعت مصدر محذوف أي حذفا جميلا وفي ميكاءيل ياءان الأولى بعد الميم والثانية بعد الهمزة ودلنا على أنه أراد الثانية قوله والهمز قبله فلما عرف ذلك أعاد ذكرها بحرف العهد فقال والياء يحذف أجملا
474وَلكِنْ خَفَيفٌ وَالشَّيَاطِينُ رَفْعُهُ (كَـ)ـمَا (شَـ)ـرَطُوا وَالْعَكْسُ (نَـ)ـحْوٌ (سَمَا) الْعُلاَأي كما شرط أهل العربية أن لكن إذا خففت بطل عملها فارتفع ما بعدها أي خفف ابن عامر وحمزة والكسائي (لكن) فلزم كسر النون لالتقاء الساكنين فقرءوا (ولكن الشياطين كفروا) ، ولم ينبه على حركة النون ولو نبه عليها وترك ذكر قراءة الباقين لأنها تعلم من الضد كان أولى فيقول والنون بالكسر وكلا أو وصلا فتكون قراءة الباقين تشديد النون وفتحها ونصب الشياطين وهذه أضداد ما تقدم ذكره وقوله والعكس نحو يعني تشديد لكن ونصب الشياطين على أنه اسم لكن أي هذا أيضا وجه من وجوه علم النحو سما العلا أي طال العلا يعني أنه نحو رفيع أي ذلك وجه قوي أيضا وهو اختيار الفراء قال تشديد لكن بعد الواو أوجه من تخفيفها وأفصح لأنها إذا خففت صارت حرف عطف والواو حرف عطف فلزم أن لا تعمل كسائر حروف العطف ونحو سما العلا رمز قراءة الباقين ولم يكن محتاجا إليه فإنه لو قال والعكس غيرهم تلا لحصل المراد واستعمل العكس بمعنى الضد الذي اصطلح عليه وهذا كما قال في سورة الإسراء وفي مريم بالعكس حق شفاؤه
475وَنَنْسَخْ بِهِ ضَمٌّ وَكَسْرٌ (كَـ)ـفَى وَنُنْسِهَا مِثْلُهُ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ (ذَ)كَتْ (إِ)لَىيعني ضم أوله وكسر ثالثه من أنسخ أي أمر بالنسخ والنسخ الإزالة وقوله كفى أي كفى ذلك في الدلالة على القراءتين لفظا وضدا فإن ضد الضم والكسر معا الفتح ثم قال وننسها مثله أي بضم أوله وكسر ثالثه أيضا وقد اتفق في الكلمتين أن المضموم فيهما حرف النون والمكسور حرف السين وزاد في ننسها أن قال من غير همز لتأخذ الهمز في القراءة الأخرى ومطلق الهمز لا يقتضي حركته فيقتصر على أقل ما يصدق عليه اسم الهمز وهو الإتيان بهمزة ساكنة فهو بلا همز من النسيان أي تذهب بحفظها من القلوب وقيل هو من نسيت الشيء إذا تركته وأنسيته أمرت بتركه أي نأمر بترك حكمها أو تلاوتها فكل من هذه المعاني قد وقع فيما أنزل من القرآن وقراءة الهمز من الإنساء الذي هو التأخير أي نؤخرها إلى وقت هو أولى بها وأصلح للناس أي نؤخر إنزالها والضمير في ذكت للقراء وإلى واحد الآلاء وهو النعم يقال المفرد بفتح الهمزة وكسرها وهو في موضع نصب على التمييز أو الحال أي ذات نعمة
476عَلِيمٌ وَقَالُوا الْوَاوُ اْلأُولَى سُقُوطُهَا وَكُنْ فَيَكُونُ النَّصْبُ في الرَّفْعِ (كُـ)ـفِّلاَيعني أسقط ابن عامر الواو الأولى من-وقالوا-الذي قبله-عليم-يعني قوله تعالى (إن الله واسع عليم)-(وقالوا اتخذ الله ولدا) ، احترز بتقييده عما قبله من قوله (وقالوا لن يدخل الجنة) ، وهذه الواو التي أسقطها ابن عامر اتبع فيها مصاحف أهل الشام فإنها لم ترسم فيها فالقراءة بحذفها على الاستئناف ولأن واو العطف قد تحذف إذا عرف موضعها وربما كان حذفها في أثناء الجمل أحسن ولا سيما إذا سيقت للثناء والتعظيم ألا ترى إلى حسنه في قوله تعالى في أول سورة الرعد (يدبر الأمر يفصل الآيات) ، وفي قوله (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) ، وقول الناظم عليم وقالوا هذا المجموع مبتد وقوله الواو الأولى بدل من المبتدا بدل البعض وسقوطها بدل من الواو بدل الاشتمال ويجوز أن يكون الواو الأولى مبتدأ ثانيا أي الواو الأولى من هذا اللفظ وسقوطها مبتدا ثالثا واحترز بقوله لأولى من الواو التي بعد اللام وقوله وكن فيكون أيضا مبتدا معطوف على المبتدا الأول والنصب في الرفع مبتدا ثان لهذا المبتدأ أي النصب فيه في مواضع الرفع وفي كفلا ضمير تثنية يرجع إلى المبتدأين فهو خبر عنهما أي سقوط الواو الأولى من عليم وقالوا والنصب في الرفع من كن فيكون كفلا أي حملا فهو كما تقول زيد ثوبه وعمرو قميصه مسلوبان كأنك قلت قميص زيد وقميص عمرو مسلوبان ويجوز أن يكون خبر سقوطها محذوفا دل عليه قوله كفلا الذي هو خبر النصب في الرفع فالألف في كفلا على هذا للإطلاق لا ضمير تثنية وجعلها ضمير تثنية أولى لترتبط المسئلتان لقارئ واحد على ما هو غرض الناظم فإن هذا موضع ملبس إذ لا مانع من أن تكون المسئلة الأولى للرمز السابق في البيت الذي قبل هذا البيت فإنه لم يأت بينهما بواو فاصلة وقد أتى بين هاتين المسئلتين بواو فاصلة وهي قوله وكن فيكون فيظهر كل الظهور التحاق المسئلة الأولى بما تقدم وإذ كان قد ألحق قراءة (فتثبتوا) ، بالرمز السابق في إشمام أصدق على ما سيأتي مع وجود الواو الفاصلة بينهما فإلحاق هذا يكون أولى وكذا قوله في الأنفال والنعاس ارفعوا ولا هو لحق المرموز لقراءة يغشاكم ، فإن قلت قد جمع الناظم بين ثلاث مسائل لرمز واحد في قوله في آل عمران-سنكتب-ياء ضم البيت فلا بعد في جمع مسئلتين لرمز واحد ، قلت ذلك البيت ليس فيه الإلباس المذكور فإنه ما ابتدأ به إلا بعد واو فاصلة قبله فلم يبق ما يوهم التحاقه بما قبله وتعين أن يكون رمزه بعده ولم يأت رمز إلا في آخر البيت فكان لجميع ما هو مذكور في البيت ، فإن قلت ففيه واو في قوله وقتل ارفعوا ، قلت هو من نفس التلاوة في قوله تعالى (وقتلهم الأنبياء) ، ولو لم تكن من التلاوة لما أوهمت الفصل إذ ما قبلها لا رمز له فيكون لعطف مسئلة على مسئلة أي قراءة هذا وهذا فلان وما أحسنه لو قال عليم وقالوا الشام لا واو عنده ولا حاجة إلى الاحتراز عن الواو التي بعد اللام لبعد وهم ذلك وكان البيت قد خلص من هذا البحث الطويل ففي النظر في وجه قراءة النصب في فيكون شغل شاغل ، قال الزجاج كن فيكون رفع لا غير من جهتين إن شئت على العطف على يقول وإن شئت على الاستئناف المعنى فهو يكون وقال ابن مجاهد قرأ ابن عامر (كن فيكون) ، نصبا قال وهذا غير جائز في العربية لأنه لا يكون الجواب للأمر هاهنا بالفاء إلا في يس والنحل فإنه صواب وذلك نسق في ذينك الموضعين لا جواب وقال في سورة آل عمران قرأ ابن عامر وحده (كن فيكون) ، بالنصب قال وهو وهم وقال هشام كان أيوب بن تميم يقرأ فيكون نصبا ثم رجع فقرأ (فيكون) ، رفعا واعلم أن قراءة ابن عامر بالنصب مشكلة لأن النصب بالفاء في جواب الأمر حقه أن ينزل منزلة الشرط والجزاء فإن صح صح فتقول قم فأكرمك أي إن تقم أكرمتك ولو قدرت هذا فيما نحن فيه فقلت إن يكن يكن لم يكن مستقيما كيف وأنه قد قيل إن هذا ليس بأمر على الحقيقة وإنما معناه أن لله إذا أراد شيئا أوجد مع إرادته له فعبر بهذه العبارة عنه فليس هذا مثل قم فتقوم فقيل جاز النصب لوجود لفظ الأمر ولا اعتبار بالمراد به فلا يضر أن يكون المراد به غير ذلك قال أبو علي الفارسي أماكن فإنه وإن كان على لفظ الأمر فليس بأمر ولكن المراد به الخبر أي يكون فيكون أي يوجد بإحدائه فهو مثل أكرم بزيد أي إنه أمر بمعنى الخبر قال ومنه (فليمدد له الرحمن مدا) ، والتقدير مده الرحمن وبنى أبو علي على هذا أن جعل فيكون بالرفع عطفا على كن من حيث المعنى وضعف عطفه على يقول لأن من المواضع ما ليس فيه يقول كالموضع الثاني في آل عمران وهو ( ثم قال له كن فيكون) ، ولم ير عطفه على قال من حيث أنه مضارع فلا يعطف على ماض فأورد على نفسه عطف الماضي على المضارع في ، (ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ) ، فقال أمر بمعنى مررت فهو مضارع بمعنى الماضي فعطف الماضي عليه ، قلت و-يكون-في هذه لآية بمعنى-كان-فليجز عطفه على قال ثم قال أبو علي وقد يمكن أن يقول في قراءة ابن عامر لما كان على لفظ لأمر وإن لم يكن المعنى عليه حمل صورة اللفظ قال وقد حمل أبو الحسن نحو قوله تعالى (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) ، على أنه أجرى مجرى جواب لأمر وإن لم يكن جوابا له في الحقيقة فكذلك قول ابن عامر يكون قوله فيكون بمنزلة جواب الأمر نحو ائتني فأحدثك لما كان على لفظه
477وَفي آلِ عِمْرَانٍ في الاُولَى وَمَرْيَمٍ وَفِي الطَّوْلِ عَنْهُ وَهْوَ بِاللَّفْظِ أُعْمِلاَأي في الآية الأولى وهي التي بعد يكون فيها (ويعلمه الكتاب) ، احترازا من الثانية وهي التي بعدها (الحق من ربك) ، والتي في مريم بعدها (وإن الله ربي وربكم) ، والطول سورة غافر والتي فيها بعدها (ألم تر إلى الذين يجادلون) ، والضمير في عنه لابن عامر وقوله وهو يعني النصب باللفظ أعملا أي اعتبر فيه لفظ الأمر لا حقيقته فاستعمل في فيكون في هذه المواضع الأربعة وإن لم يكن جوابا على الحقيقة وقد اعتبرت المراعاة اللفظية في قوله (قل لعبادي اللذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا-قل للذين آمنوا يغفرا-وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) ، وقال جرير قولا لحجاج يدع مدح كودن وقال عمر بن أبي ربيعة ، (فقلت لجناد خذ السيف واشتمل عليه برفق وارقب الشمس تغرب) ، (وأسرج لي الرجناء واعجل بممطري ولا يعلمن خلق من الناس مذهبي) ، فجعل تغرب جوابا لقوله ارقب وهو غير متوقف عليه ولكنها معاملة لفظية
478وَفي النَّحْلِ مَعْ يس بِالْعَطْفِ نَصْبُهُ (كَـ)ـفَى (رَ)اوِياً وَانْقَادَ مَعْنَاهُ يَعْمُلاَ، هذان موضعان آخران إلا أن يقول الذي قبله منصوب فيهما وهو (أن يقول له كن فيكون) ، فالنصب في-فيكون-عطفا على-أن يقول-فهذا معنى قوله بالعطف نصبه ثم قال كفى راويا أي كفى راويه النصب في توجيهه وانقاد معناه مشبها يعمل وهو الجمل القوي يعمل في السير ولهذا تابع الكسائي ابن عامر في نصبهما وقد ذكر هذا التوجيه غير واحد من أئمة العربية والقراءة ويؤيده أن قراءة الرفع في غير هذين الموضعين قد ذكر الزجاج وغيره أنها معطوفة على يقول المرفوع فإن قلت هذا مشكل من جهة أخرى وهي أنه يلزم منه أن يكون-فيكون-خبرا للمبتدأ الذي هو-قولنا-في النحل-وأمره-في يس لأن قوله-أن يقول-خبر عنهما فما عطف عليه يكون خبرا أيضا كما تقول المطلوب من زيد أن يخرج فيقاتل فيكون المطلوب منه أمرين هما الخروج والقتال وهذا المعنى لا يستقيم هاهنا لأن التقدير يصير إنما قولنا لشيء قول كن فيكون فيؤول المعنى إلى إنما قولنا كون فهو كما ترى مشكل وليس مثل قول علقمة (فإن المندى رحله فركوب ) لأن كل واحد منهما يصح أن يكون خبرا عن المندي على الجهة التي قصدها من التجويز قلت القول في الآية ليس المراد منه حقيقته كما سبق ذكره وإنما عبر به عن سرعة وقوع المراد فهو لقوله تعالى (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) ، فكأنه سبحانه قال إذا أردنا شيئا وقع ولم يتخلف عن الإرادة فعبر عن ذلك بقول-كن فيكون-فالعطف غير مناف لهذا المعنى فصح فهذه ستة مواضع وقع فيها قراءة النصب منها الموضعان الآخران نصبهما بالعطف والأربعة السابقة منصوبة على لفظ جواب الأمر وبقي موضعان لم يختلف في رفعهما وهما الثاني في آل عمران وفي الأنعام (ويوم يقول كن فيكون) ، وعلل ذلك بعضهم بأنه معطوف على ماض لفظا في آل عمران وتقديرا في الأنعام والله أعلم
479وَتُسْأَلُ ضَمُّوا التَّاءَ وَالَّلامَ حَرَّكُوا بِرَفْعٍ (خُـ)ـلُوداً وَهْوَ مِنْ بَعْدِ نَفْيِ لاَيعني قوله تعالى (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) ، فقرأه الجماعة بعد لا النافية فهذا معنى قوله وهو من بعد نفي لا والمعنى أنت غير مسئول عنهم وقراءة نافع بجزم الفعل على النهي أي لا تسئل عنهم أي احتقرهم ولا تعدهم وخلودا مصدر أي خلد ذلك خلودا وثبت واستقر أو التقدير تحريكا ذا خلود والله أعلم
480وَفيهاَ وَفي نَصِّ النِّساَءِ ثَلاَثَةٌ أَوَاخِرُ إَبْرَاهَامَ (لَـ)لاحَ وَجَمَّلاَوفيها يعني في سورة البقرة وفي نص النساء أي وفيها نص الله سبحانه عليه في سورة النساء كما تقول في نص الشافعي كذا أي في منصوصه الذي نص عليه ثم نضيف النص إلى محله فنقول في نص الأم كذا أي فيهما نص عليه الشافعي في كتاب الأم كذا ولو قال وفي آي النساء لكان أحسن وأظهر وقوله أواخر صفة لثلاثة وإبراهام مبتدأ وفيها متعلق بالخبر أي إبراهام لاح في سورة البقرة في جميع ما فيها من لفظ إبراهيم يقرؤه هشام إبراهام بالألف وفي النساء ثلاثة مواضع كذا وهي أواخر ما فيها يعني (واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا)-(وأوحينا إلى إبراهيم) ، احترازا من الأول وهو (فقد آتينا آل إبراهيم) ، فقرأه هشام بالياء وجعل بعضهم إبراهام بدلا من ثلاثة أواخر على حذف مضاف أي كلمات إبراهام وجعل قوله وفيها خبر المبتدأ الذي هو قوله ثلاثة أواخر إبراهام وفي نص النساء عطف على الخبر ويلزم من هذا الإعراب أن تكون الثلاثة الأواخر في البقرة وهو خطأ والصواب في الإعراب ما قدمته والله أعلم ، ولا يفهم من القصيدة قراءة الجماعة لأنه ليس في اصطلاحه أن ضد الألف الياء وإنما القراءة المشهورة أظهر من ذلك وكان طريقه المعلومة من عادته في مثل ذلك أن يلفظ بالقراءتين معا كقوله وحمزة أسرى في أسارى سكارى معا سكرى وعالم قل علام وليس ذلك من باب استغنائه باللفظ عن القيد لأن الوزن يستقيم له على القراءتين ولو قال ، (وفي يا إبراهيم جا ألف وفي ثلاث النساء آخرا لاح وانجلا) ، لحصل الغرض
481وَمَعْ آخِرِ الأَنْعَامِ حَرْفَا بَرَاءَةٍ أَخِيراً وَتَحْتَ الرَّعْدِ حَرْفٌ تَنَزَّلاَوفي الأنعام لفظ إبراهيم في مواضع وقع الخلاف في آخرها وهو قوله تعالى (دينا قيما ملة إبراهيم) ، وفي براءة أيضا مواضع الخلاف منها في حرفين من آخرها وهما (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه)و(إن إبراهيم لأواه) ، وتحت الرعد يعني سورة إبراهيم فيها (وإذا قال إبراهيم رب اجعل) ، وأخيرا ظرف أي وقفا أخيرا والله أعلم
482وَفي مَرْيَمٍ وَالنَّحْلِ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ وَآخِرُ مَا فِي الْعَنْكَبُوتِ مُنَزَّلاَأي في مجموعهما خمسة اثنان في النحل (إن إبراهيم كان أمة)-(ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم) ، وفي مريم ثلاثة (واذكر في الكتاب إبراهيم)-(أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم)-(ومن ذرية إبراهيم) ، وآخر ما في العنكبوت هو قوله تعالى (ولما جاءت رسلنا إبراهيم) ، احترازا مما قبله وهو (وإبراهيم إذ قال لقومه) ، ومنزلا حال من ما وهي بمعنى الذي
483وَفي النَّجْمَ وَالشُّورى وَفي الذَّارِيَاتِ وَالْحَدِيدِ وَيُرْوِي في امْتِحَانِهِ الأَوَّلاَيريد (وإبراهيم الذي وفى-وما وصينا به إبراهيم-حديث ضيف إبراهيم-ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم) ، وفاعل يروي هو هشام والهاء في امتحانه تعود إلى القرآن للعلم به أو إلى لفظ إبراهيم لأنه مذكور فيها والأول مفعول يروي أي يروي الأول في سورة الممتحنة كذلك بالألف يعني (أسوة حسنة في إبراهيم) ، احترازا من قوله بعده (إلا قول إبراهيم لأبيه) ، فجملة ما وقع فيه الخلاف ثلاثة وثلاثون موضعا منها خمسة عشر في البقرة وإبراهيم لفظ أعجمي هو بالعبرانية بالألف وتصرفت العرب فيه فقالته بالياء وجاء في أشعارهم إبراهيم ليس بين الهاء والميم حرف وجاء أيضا إبراهيم بحذف الألف التي بين الراء والهاء وحكى أبو على الأهوازي عن الفراء فيه ست لغات بالياء والألف والواو إبراهيم إبراهام إبراهوم وبحذف كل واحد من هذه الحروف الثلاثة وإبقاء الحركة التي قبلها (إبراهِم-إبراهَم-إبراهُم) ، قال وجملة ما في القرآن من لفظ إبراهيم تسعة وستون موضعا رواها كلها إبراهام بألف من غير استثناء شيء منها العباس بن الوليد عن عبد الحميد ابن بكار عن ابن عامر وقرأتها كلها كذلك عن النوفل عن عبد الحميد عنه ولم أقرأ عن العباس بن الوليد عنه كل ذلك إلا بالياء ثم ذكر في بعض الطرق الألف في الأحزاب والزخرف والأعلى قال والمشهور عن أصحاب ابن عامر إثبات الألف في ثلاثة وثلاثين موضعا يعني ما تقدم نظمه قال وهو مكتوب في مصاحف الشام في ثلاثة وثلاثين موضعا بألف وهو الذي قدمنا ذكره وفي ستة وثلاثين موضعا بالياء قال ورأيت من يقول بل مصاحف الأمصار الخمسة على ذلك قال وحدثني أبو بكر محمد ابن أحمد السلمي قال قال لي أبو الحسن محمد النضر بن الأخرم كان الأخفش يقرأ مواضع إبراهام بالألف ومواضع إبراهيم بالياء ثم ترك القراءة بالألف وقال لي أبو بكر السلمي أيضا قال لي أبو الحسن السلمي كان أهل الشام يقرءون إبراهام بألف في مواضع دون مواضع ثم تركوا القراءة بالألف وقرءوا جميع القرآن بالياء قال أبو علي وهي لغة أهل الشام قديما كان قائلهم إذا لفظ إبراهيم في القرآن وغيره قال أبراهام بألف وقال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي دخلت بعض قرى الشام فرأيت بعضهم يقول لبعض يا إبراهام فاعتبرت ذلك فوجدتهم ما يعرفون غيره قال أبو زرعة الدمشقي حدثنا محمد بن أسامة الحلبي وكان كيسا حافظا قال حدثنا ضمرة عن علي عن أبي جميل عن يحيى بن راشد قال صليت خلف ابن الزبير صلاة الفجر فقرأ-صحف إبراهام وموسى-قال أبو زرعة وسمعت عبد الله بن ذكوان بحضرة المشايخ وتلك الطبقة العالية قال سمعت أبا خليد القارئ يقول في القرآن ستة وثلاثون موضعا إبراهام قال أبو خليد فذكرت ذلك لمالك بن أنس فقال عندنا مصحف قديم فنظر فيه ثم أعلمني أنه وجدها فيه كذلك وقال أبو بكربن مهران روي عن مالك بن أنس أنه قيل له إن أهل دمشق يقرءون إبراهام فقال أهل دمشق يأكل البطيخ أبصر منهم بالقراءة فقيل إنهم يدعون قراءة عثمان رضي الله عنه فقال مالك ها مصحف عثمان عندي ثم دعا به فإذا فيه كما قرأ أهل دمشق قال أبو بكر وكذلك رأيت أنا في مصاحفهم وكذلك هو إلى وقتنا هذا قال وفي سائر المصاحف (إبراهيم) ، مكتوب بالياء في جميع القرآن إلا في البقرة فإن فيها بغير ياء وقال مكي الألف لغة شامية قليلة قال أبو الحسن محمد بن الفيض سمعت أبي يقول صلى بنا عبد الله ابن كثير القارئ الطويل فقرأ (وإذ قال إبراهام لأبيه) ، فبعث إليه نصر بن حمزة وكان الوالي بدمشق إذ ذاك فخفقه بالدرة خفقات ونحاه عن الصلاة قال الأهوازي لعله جعل ذلك سببا لشيء كان في نفسه عليه والله أعلم وأحكم ، قلت ويحتمل أنه فعل به ذلك لكون هذا الموضع ليس من المواضع المذكورة المعدودة ثلاثة وثلاثون أو لأنه لما ترك أهل الشام ذلك استغرب منه ما قرأ وخاف من تجرؤ الناس على قراءة ما ليس بمشهور في الصلاة فأدبه على ذلك والله أعلم
484وَوَجْهَانِ فِيهِ لاِبْنِ ذَكْوَانَ ههُنَا وَوَاتَّخِذُوا بِالْفَتْحِ عَمَّ وَأَوْغَلاَههنا يعني في سورة البقرة ووجه تخصيصها بذلك اتباع الخط قال أبو عمرو الداني قال أبو عبد الله محمد بن عيسى عن نصير في سورة البقرة إلى آخرها في بعض المصاحف-إبراهم-بغير ياء وفي بعضها بالياء قال أبو عمرو ولم أجد ذلك كذلك في مصاحف العراق إلا في البقرة خاصة قال وكذلك رسم في مصاحف أهل الشام وقال أبو عبيد تتبعت رسمه في المصاحف فوجدته كتب في البقرة خاصة بغير ياء ، قلت لم يكتب في شيء من المصاحف الألف على وفق قراءة هشام وإنما لما كتب بغير ياء أوهم أن الألف محذوفة لأنها هي المعتاد حذفها كالألف التي بعد الراء في هذا الاسم وفي-إسحاق-وفي-إسماعيل-وغير ذلك ومن قرأ بالياء قال كتابتها في أكثر المواضع بالياء دليل على أنها المحذوفة وفي ذلك موافقة للغة الفاشية الصحيحة ، فهذا وجه الخلاف وقوله تعالى (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) ، يقرأ بكسر الخاء وفتحها فهو بالكسر أمر وبالفتح خبر وإنما جعل الفتح أعم لأن الضمير يرجع إلى عموم الناس فيكون الفعل موجها إلى الأمم قبلنا نصا وإلينا بطريق الاتباع لهم لأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ وأما قراءة الكسر فتختص بالمأمورين ويجوز أن يكون التقدير وقلنا لهم-اتخذوا-فيتحد العموم في القراءتين وهذا الوجه أولى وقوله وأوغلا أي أمعن من الإيغال وهو السير السريع والإمعان فيه
485وَأَرْنَا وَأَرْنِي سَاكِنَا الْكَسْرِ (دُ)مْ (يَـ)ـداً وَفي فُصِّلَتْ (يُـ)ـرْوِي (صَـ)ـفاً (دَُ)رِّهِ (كُـ)لاَاليد النعمة وهو في موضع نصب على التمييز أي دامت نعمتك أو يكون حالا أي دم ذا نعمة والسكون في هذين اللفظين حيث وقعا للتخفيف كقولهم في (وأرنا مناسكنا-أرنا الله جهرة-أرني كيف تحيي الموتى-أرني أنظر إليك) ، والذي في فصلت (أرنا الذين أضلانا) ، وافق على إسكانه أبو بكر وابن عامر والكلا جمع كلية والصفا ممدود وقصره ضرورة يشير إلى قوة القراءة لأن الإسكان هنا في حركة البناء بخلافه في يأمركم ونحوه والله أعلم
486وَأَخْفَاهُمَا (طَـ)ـلْقٌ وَخِفُّ ابْنِ عَامِرٍ فَأُمَتِّعُهُ أَوْصَى بِوَصّى (كَـ)ـمَا (ا)عْتَلاَالطلق السمح يريد بالإخفاء الاختلاس الذي تقدم ذكره في (بارئكم-و-يأمركم) ، وهو اللائق بقراءة أبي عمرو والضمير في أخفاهما لقوله (وأرنا-و-أرني) ، وخف ابن عامر مبتدأ والخبر فأمتعه أي المخفف لابن عامر قوله تعالى -فأمتعه- وقوله أوصى بوصي أي يقرأ في موضع (وصى-أوصى) ، ومتع وأوصى ووصى لغات كأنزل ونزل وحسن تخفيف فأمتعه قوله بعده قليلا
487وَفي أَمْ يَقُولُونَ الْخِطَابُ (كَـ)ـمَا (عَـ)لاَ (شَـ)ـفَا وَرَءُوفٌ قَصْرُ (صُحْبَتِهِ حَـ)لاَيريد قوله تعالى (أم يقولون إن إبراهيم) ، وجه الخطاب أن قبله (قل أتجاجوننا-وبعده-قل ءأنتم أعلم) ، ووجه الغيبة أن قبله (فإن آمنوا) ، أو يكون على الالتفات ورؤف ورءوف لغتان ولا يختص لخلاف في رءوف بما فيه هذه السورة فكان حقه أن يقول جميعا أو نحو ذلك وكان الأولى لو قال صحاب كفى خاطب تقولون بعد أم وكل رءوف قصر صحبته حلا
488وَخَاطَبَ عَمَّا يَعْمَلُونَ (كَـ)ـمَا (شَـ)ـفَا وَلاَمُ مُوَلِّيهَا عَلَى الْفَتْحِ (كُـ)ـمِّلاَيريد الذي بعده (ولئن أتيت) ، وهو ملتبس بالذي في آخر الآية التي أولها (أم تقولون) ، ولا خلاف في الخطاب فيها وإن اختلفوا في -أم تقولون- وسببه أنه جاء بعد -أم تقولون- ما قطع حكم الغيبة وهو -قل ءأنتم أعلم- ويزيل هذا الالتباس كونه ذكره بعد رءوف وذلك في آخر الآية التي بعد آية رءوف فالخطاب للمؤمنين والغيبة لأهل الكتاب وفتح ابن عامر اللام من قوله (ولكل وجهة هو موليها) ، فانقلبت الياء ألفا وإنما قال كملا لأن قراءة ابن عامر لا تحتاج إلى حذف مفعول أي لكل فريق وجهة هوموليها مبني لما لم يسم فاعله لأن مولى بفتح اللام اسم مفعول وبكسرها اسم فاعل فعلى قراءة الجماعة يحتاج مولى إلى مفعولين حذف أحدهما والفاعل هو الله تعالى أو الفريق أي الله موليها إياهم أو الفريق موليها نفسه
489وَفي يَعْمَلُونَ الْغَيْبَ (حَـ)لَّ وَسَاكِنٌ بِحَرْفَيْهِ يَطَّوَّعْ وَفي الطَّاءِ ثُقِّلاَيعني الذي بعده (ومن حيث خرجت) ، الخطاب للمؤمنين والغيبة لأهل الكتاب والهاء في بحرفيه عائدة إلى يطوع أي وتطوع ساكن في موضعيه وهما (أن يطوف بهما-ومن تطوع خيرا-وقوله- فمن تطوع خيرا فهو خير له) ، ويعني بالساكن العين لأنه فعل مستقبل فانجزم بالشرط وعلامة الجزم هنا السكون وإنما عدل عن لفظ الجزم إلى لفظ السكون وكان لفظ الجزم أولى من حيث أن يطوع فعل مضارع معرب لأن الجزم في اصطلاحه ضده الرفع وضد السكون الحركة المطلقة وهي في اصطلاحه الفتح وهو المراد هنا في قراءة الباقين لا الرفع فاستعمل اللفظ الموافق لغرضه مع أن الضد وهو الفتح حركة بناء فلم يكن له بد من تسمح وهذا كما يأتي في قوله تضارر وضم الراء حق ونحوه وقراءة الجماعة على أن تطوع فعل ماض وتثقيل الطاء من أجل أن أصله على قراءتهم بتطوع فأدغمت التاء في الظاء كما في قوله (أن يطوف بهما) ، ثم ذكر تمام القراءة وهو أن أولها يا موضع التاء فقال
490وَفي التَّاءِ يَاءٌ (شَـ)ـاعَ وَالرِّيحَ وَحَّدَا وَفي الكَهْفِ مَعْهَا وَالشَّرِيعَةِ وَصَّلاَكان ينبغي أن يبين بالتقييد لفظ التاء من لفظ الياء فإنهما متفقان في الخط وعادته بيان ذلك كقوله بالثا مثلثا وكثيرا نقطة تحت نفلا فلو قال ، (وفي التاء نقطها تحت وحد الرياح مع الكهف الشريعة شمللا) ، لاستغنى بالرمز آخر البيت للمسئلتين كما تقدم في كفلا أي قرأ هاتين القراءتين من شملل أي أسرع وأراد (وتصريف الرياح والسحاب) ، وفي الكهف (تذروه الرياح) ، وفي الجاثية (وتصريف الرياح) ، قرأ حمزة والكسائي هذه المواضع الثلاثة بالتوحيد أي بلفظ الإفراد وهو الريح وهو بمعنى الجمع لأن المراد الجنس وأجمعوا على توحيد ما جاء منكرا نحو (ولئن أرسلنا ريحا) ، وعلى توحيد بعض المعرف نحو (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) ، والهاء في معها تعود إلى السورة التي نحن فيها وهي سورة البقرة
491وَفي النَّمْلِ وَاْلأَعْرَافِ وَالرُّومِ ثَانِياً وَفَاطِرِ (دُ)مْ (شُـ)ـكْراً وَفي الْحِجْرِ (فُـ)ـصِّلاَأي وافقهما ابن كثير على التوحيد في هذه السورة وإعراب قوله دم شكرا كما تقدم في دم يدا أي ذا شكر أو دام شكرك فهو أمر بمعنى الدعاء والذي في النمل (ومن يرسل الرياح بشرا) ، وفي الأعراف (وهو الذي يرسل الرياح) ، والثاني الذي في الروم (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا) ، وأما الأول فيها فمجموع بالإجماع وهو (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات) ، وثانيا حال لأن المعنى وفي الذي في الروم ثانيا واختص حمزة بتوحيد الذي في الحجر وهو قوله (وأرسلنا الرياح لواقح) ، وخالفه غيره لأجل قوله لواقح كما جمعوا الذي في الروم لأجل قوله مبشرات وحجة حمزة أن ذلك غير مانع لأن المراد بالمفرد الجمع فلواقح-مثل-نشرا-بضم النون لأنه جمع نشور في قراءة ابن كثير وأما الكسائي فلا يلزمه ذلك لأنه يقرأ بفتح النون
492وَفي سُورَةِ الشُّورى وَمِنْ تَحْتِ رَعْدِهِ (خُـ)ـصُوصٌ وَفي الْفُرْقَانِ (زَ)اكِيهِ (هَـ)ـلَّلاَيعني قوله تعالى (إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره) ، وفي سورة إبراهيم (كرماد اشتدت به الريح في يوم) ، وفي الفرقان (وهو الذي أرسل الرياح بشرا) ، انفرد نافع بجمع الذي في الشورى وإبراهيم وانفرد ابن كثير بتوحيد الذي في الفرقان وقوله خصوص مبتدا خبره ما قبله أي خصوص لبعض القراء دون بعض والهاء في رعده كما تقدم في امتحانه فإن الريح وإن كانت مؤنثة يعود الضمير إليها مذكرا باعتبار أنها حرف القراءة وموضعها والهاء في زاكيه للموضع أيضا أو للتوحيد المفهوم من قوله واحدا وهلل إذا قال لا إله إلا الله وهذا آخر الكلام في مسئلة الرياح والله أعلم
493وَأَيُّ خِطَابٍ بَعْدُ (عَمَّ) وَلَوْ تَرى وَفي إِذْ يَرَوْنَ الْيَاءُ بِالضَّمِّ (كُـ)ـلِّلاَبعد يعني بعد ذكر الريح (ولو ترى) ، مبتدأ خبره ما قبله كقولك أي رجل زيدا على سبيل التعظيم والتفخيم لشأنه لا على محض الاستفهام أي هو خطاب عظيم يتعلق به أمر فظيع من شدة عذاب الله يوم القيامة لمتخذي الأنداد من دون الله وقيل وأي خطاب مبتدأ وعم خبره وأشار بقوله عم إلى أنه خطاب عام لكل إنسان أي ولو ترى أيها الإنسان القوم الظالمين حين يرون العذاب يوم القيامة لرأيت أمرا فظيعا وشدة شديدة لا يماثلها شدة وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فهو من باب مخاطبة رئيس القوم بما هو مطلوب منه ومن جميع قومه وهو مثل قوله تعالى (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير)-(يأيها النبي إذا طلقتم النساء) ، فأشار بقوله عم إلى أنه وإن كان على لفظ الخطاب للمفرد فالمراد به تعميم كل مخاطب فالذين ظلموا-مفعول-ترى-على قراءة الخطاب و-إذ يرون-ظرف للرؤية وهي في الموضعين من رؤية البصر ويجوز أن يكون-إذ يرون-بدلا من-الذين ظلموا-بدل الاشتمال كما قيل ذلك في نحو (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت) ، أي ولو ترى زمان رؤية الظالمين العذاب وقد صرح بهذا المعنى في آيات كثيرة نحو (ولو ترى إذ وقفوا على النار-ولو ترى إذ وقفوا على ربهم-ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت-ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم-ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت-ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة) ، وعلى قراءة الغيبة يكون-الذين ظلموا-فاعل-يرى-وإذ يرون-مفعوله على سياق هذه الآيات المذكورة وجواب-لو-محذوف على القراءتين و-أن القوة-وما بعده معمول الجواب المحذوف أي لرأيت أو لرأوا أو لعلموا أن القوة لله أي لشاهدوا من قدرته سبحانه ما تيقنوا معه أنه قوي عزيز وأن الأمر ليس ما كانوا عليه من جحورهم لذلك وشكهم فيه وقيل الجواب بجملته محذوف مثل (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) ، وإنما أبهم تفخيما للأمر كما يقول القائل لو رأيت فلانا والسياط تأخذه ولو رأيته والسيوف تغشاه من كل جانب أي لرأيت أمرا شاقا لا صبر على رؤيته فكيف صبر من حل به أو تقديره لعلموا مضرة اتخاذهم للأنداد وأن القوة على تقدير لأن القوة فهو تعليل للجواب وقيل (أن القوة) ، على قراءة الغيبة مفعول يرى وعند هذا يجوز أن يكون يرى من رؤية القلب وسدت أن مسد المفعولين وقيل إن القوة على قراءة الخطاب بدل من العذاب وقيل على قراءة الغيبة التقدير-ولو يرى الذين ظلموا -في الدنيا حالهم-حين يرون-لأقلعوا عن اتخاذ الأنداد وقيل-الذين ظلموا- مفعول كما في قراءة الخطاب والفاعل ضمير عائد على لفظ-من في قوله من يتخذ وقيل التقدير ولو يرى راء أو إنسان في الدنيا حال الظالمين إذ يرون العذاب لعلم أن القوة لله كما قيل في قوله تعالى (ولا يحسبن الذين يبخلون) ، أي ولا يحسبن حاسب وقيل التقدير ولو يرى أحد حالهم في ذلك الوقت فرأى أمرا هائلا وقيل المعنى ولو تيقن الذين ظلموا زمان رؤية العذاب فيكون المراد به الإيمان بالبعث على أن يرى بمعنى عرف وهذا من المواضع المشكلة وما قدمته أحسن الوجوه في تفسيره وإذ فيه لمجرد الزمان من غير تعرض لمضى كما تستعمل إذا كذلك من غير تعرض للاستقبال نحو (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى) ، وقال أبو علي إنما جاء على لفظ المضى لما أريد فيها من التحقيق والتقريب وعلى هذا جاء (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) ، ومنه قد قامت الصلاة والخلاف في يرون بفتح الياء وضمها ظاهر فإن الله تعالى يريهم ذلك فيرونه وما أحسن ما عبر عن الضمة على الياء بأن الياء كللت به اشبه الضمة بالإكليل وهو تاج الملك والله أعلم
494وَحَيْثُ أَتي خُطُوَاتٌ الطَّاءُ سَاكِنٌ وَقُلْ ضَمُّهُ (عَـ)ـنْ (زَ)اهِدً (كَـ)ـيْفَ (رَ)تَّلاَأي كيفما رتل القرآن فإنه يضم الطاء وضمها وإسكانها لغتان فالإسكان موافق للفظ المفرد لأنه جمع خطوة وهو اسم ما بين القدمين من خطا يخطو والمصدر بفتح الخاء فمعنى قوله تعالى (لا تتبعوا خطوات الشيطان) ، أي لا تسلكوا مسالكه ولا تفعلوا فعله وضم الطاء في الجمع للاتباع ويجوز الفتح في اللغة أيضا وقوله عن زاهد أي الضم محكي مروي عن قارئ زاهد إشارة إلى عدالة نقلته والله أعلم
495وَضَمُّكَ أَولَى السَّاكِنَينَ لِثَالِثٍ يُضَمُّ لُزُوماً كَسْرُهُ (فِـ)ـي (نَـ)ـدٍ (حَـ)ـلاَوضمك مبتدأ وما بعده مفعول به وتعليل وكسره مبتدأ ثان وهو وما بعده خبر الأول أي كسر ذلك الضم في ند حلو في محل رطب لين أو التقدير كسره حلا في ند ويجوز أن يكون لثالث خبر وضمك أي ضم أول كل ساكنين واقع عند كل ثالث يضم ضما لازما فتكون هذه اللام للتوقيت لا للتعليل ثم بين القراءة الأخرى فقال كسره في ند حلا وكان الوجه أن يقول أول الساكنين بالتذكير فلم يتزن له البيت فعدل إلى التأنيث ولم يتعرض الشيخ رحمه الله لبيانه وقال غيره التقدير وضمك السواكن الأولى من باب التقاء الساكنين ثم حذف الموصوف ولام التعريف وأضاف قال ونظيره (والرسول يدعوكم في أخراكم-وقالت أولاهم لأخراهم) ، أي الطائفة الأخرى منهم قلت يجوز أن يكون أنث باعتبار المدلول كما ذكرنا في شرح قوله غير عشر ليعدلا لأن السكون واقع في حرف من حروف الهجاء وأسماء حروف الهجاء يجوز تأنيثها فأنث لفظ أولى بهذا الاعتبار وذكر لفظ الساكنين على الأصل ويجوز أن يكون التأنيث في أولى باعتبار الحركة أي أولى حركتي الساكنين وذلك لأن الساكنين متى التقيا فتارة يحرك الأول وتارة يحرك الثاني نحو من الرجل وانطلق لما سكنت اللام تخفيفا كما جاء في خاء فخذ وكانت القاف ساكنة للأمر فتحت القاف لالتقاء الساكنين فحركة الساكن الأول في من الرجل هي أولى حركتي الساكنين ولا يحرك الساكن الأول إلا إذا كان التقاء الساكنين في كلمتين أو ما هو في حكم الكلمتين كهمزة الوصل أو تقول الحركة الأولى هي حركة الساكن الأول في الوصل والحركة الثانية هي حركة الهمزة إذا ابتدأت بها ووقفت على الأول والحركتان معا لا يجتمعان فمهما حركت الأول بطلت حركة الهمزة وإذا بطلت حركة الأول تحركت الهمزة وقوله لثالث بضم أي لحرف ثالث مضموم وعده إياه ثالثا بأحد اعتبارين أحدهما أنه عبد قبله الساكن وقبل الساكن همزة الوصل اعتبارا بالكلمة لو ابتدئ بها لأن الكلام في مثل انقص واخرج ولأن ذلك في الخط أربعة أحرف الثالث منها هو المضموم ، الثاني أنه عد ذلك ثالثا باعتبار الساكن الأول لأن الحكم متعلق به فبعده في الوصل الساكن الثاني وبعدهما الحرف المضموم وهمزة الوصل انحذفت في الدرج فالتقى الساكن الذي هو آخر الكلمة بالساكن الذي هو بين همزة الوصل والحرف المضموم فوجب تحريك الأول فمنهم من كسر على أصل التقاء الساكنين ومنهم من ضم للاتباع كراهة الخروج من كسر إلى ضم ولم يعتد بالحاجز لأنه ساكن فهذا معنى التعليل المفهوم من قوله لثالث يضم وهذا التعليل بمجرده لا يكفي فكم من ضمة لازمة لا يضم لها الساكن الأول نحو (قل الروح) ، وشبهه كما يأتي فلا بد من أن يضم إلى ذلك الدلالة على حركة همزة الوصل المحذوفة في ذلك وهي الضمة وقوله لزوما أي ذا لزوم واللزوم مصدر لزمت الشيء ألزمه لزوما أي يكون الضم لازما لا عارضا وذلك مثل أخرج ادعوا ضمة الراء والعين لازمة لهذه البنية مستحقة فيها بطريق الأصالة احترز بذلك من الضمة العارضة غير اللازمة وذلك نحو (إن امرؤ) ، فإن ضمة الراء إنما جاءت لأجل ضمة الهمزة فلو فتحت الهمزة أو كسرت لفتحت الراء وكسرت وكذلك الضمة في قوله تعالى (أن امشوا) ، لأن حق هذه الشين أن تكون مكسورة وأصله امشيوا كاضربوا وكذلك ضمة الإعراب في نحو (بغلام اسمه- عزير ابن الله) ، فكل هذا يكسر فيه أول الساكنين ولا يضمه أحد لأجل عروض الضمة في الثالث والتمثيل بقوله-عزير-إنما ينفع في قراءة من نونه والذي نونه اثنان عاصم والكسائي فكلاهما بكسر التنوين ، أما عاصم فعلى أصله في كسر أول الساكنين مطلقا وأما الكسائي فلأجل عروض الضمة في-ابن-وقوله (أن اتقوا الله) ، الضمة فيه على حرف رابع لا على ثالث لأن التاء مشددة فهي حرفان هذا كله مع أن الضمة عارضة كما في (أن امشوا) ، فهذا تمام الكلام في تقدير الضابط الذي ذكره الناظم وقد أورد عليه قوله تعالى (قل الروح) ، فهو مما اتفق على كسره مع أن ضمة الراء فيه لازمة ومثله (إن الحكم-غلبت الروم-بلغت الحلقوم-عاد المرسلين) ، وصاحب التيسير قال إذا كان بعد الساكن الثاني ضمة لازمة وابتدئت الألف بالضم فهذا لقيد الثاني يخرج جميع ما ذكرناه من (إن امرؤ-أن امشوا-و-عزير ابن الله-و-قل الروح) ، وشبهه لأن همزة الوصل في أول الكلمة الثانية منهما مكسورة عند الابتداء بها في الثلاثة الأول ومفتوحة في-الروح-وما بعده مما ذكرناه وهذا القيد كاف وحده فلا حاجة إلى ذكر الضمة اللازمة ومكي رحمه الله لم يذكرها واقتصر على ذلك القيد ، فقال اختلفوا في الساكنين إذا اجتمعا من كلمتين وكانت الألف التي تدخل على الساكن الثاني في الابتداء تبتدأ بالضم وكذا قال ابن شريح الاختلاف في الساكن الذي بعده فعل فيه ألف وصل يبتدئ بالضم فلو أن الناظم قال ، (وإن همز وصل ضم بعد مسكن فحركه ضما كسره في ند حلا) ، أي فحرك ذلك المسكن بالضم أو الكسر لمن رمز له لكان أبين وأسهل على الطالب إلا أن في بيت الشيخ الشاطبي رحمه الله إشارة إلى علة الضم والله أعلم
496قُلِ ادْعُوا أَوِ انْقُصْ قَالَتِ اخْرُجْ أَنِ اعْبُدُوا وَمَحْظُوراً انْظُرْ مَعْ قَدِ اسْتُهْزِئَ اعْتَلاَهذه أمثلة ما تقدم ذكره وقد حصر أنواعه في هذه الأمثلة الستة وذلك أن الساكن الأول لا يخلو من أن يكون أحد هذه الأحرف الستة اللام والواو والتاء والنون والتنوين والدال قال ابن الفحام يجمعهن من غير التنوين لتنود وإنما ذكر هذه القاعدة في هذه السورة لأجل قوله تعالى (فمن اضطر) ، ولم يتفق له التمثيل به وأغنى عنه قوله (أن اعبدوا-ومثله-ولكن انظر) ، الساكن في الجميع نون ولو قال من اضطرا وانقص قالت اخرج قل انظروا لحصلت النصوصية على موضع السورة التي هو فيها ولا يضر وصل همزة أو إسكان راء اضطر فإن لكليهما نظائر جائزة في اللغة ومثل (قل ادعو-قل انظروا) ، في يونس لا غير ومثل-أو انقص-أو اخرجوا-أو ادعوا الرحمن-لا غير ومثل- أن اعبدوا (أن اقتلوا أنفسكم-و-أن اعبدوني-و-أن احكم بينهم-أن اشكر لله-أن اغدوا على حرثكم) ، ولا نظير لقوله (وقالت اخرج-ولقد استهزئ) ، ومثال التنوين اثنا عشر موضعا والله أعلم
497سِوى أَوْ وَقُلْ لاِبْنِ الْعَلاَ وَبِكَسْرِهِ لِتَنْوِيِنهِ قالَ ابْنُ ذَكْوَانَ مُقْوِلاَيعني ضم أبو عمرو الواو من أو واللام من قل حيث وقعا نحو (قل ادعوا الرحمن-أو انقص منه-أو اخرجوا من دياركم- قل انظروا ماذا في السموات والأرض) ، وذلك لأن كسر الواو أثقل من ضمها واللام من قل قبلها ضمة فترجح مقتضى الضم فيها والهاء في بكسرة تعود على ابن العلاء وكذا الهاء في لتنوينه أو أراد لتنوين هذا الكلام وقوله لتنوينه مفعول بكسره كما تقول عجبت من ضربه لابنه وليست لام التعليل بخلاف اللام في لثالث أي قرأ ابن ذكوان التنوين بالكسر الذي لأبي عمرو فيه ووجه ذلك أن التنوين ليس له استقرار غيره من الحروف فإنه يحذف ويبدل فلما لم يكن لازما لا يضمه لأجل الاتباع لأنه كأنه زائل كما أنهم لم يضموا لأجل الضمة العارضة التي هي غير مستقرة لذلك ويقال أقوله مثل قوله أي معلما القول بذلك والله أعلم
498بِخُلْفٍ لَهُ فِي رَحْمَةٍ وَخَبِيثَةٍ وَرَفْعُكَ لَيْسَ الْبِرُّ يُنْصَبُ (فِـ)ـي (عُـ)ـلاَيعني قوله تعالى في الأعراف (برحمة ادخلوا الجنة) ، وفي إبراهيم (كشجرة خبيثة اجتثت) ، روى عن ابن ذكوان ضمهما جمعا بين اللغتين ولم يفعل ذلك في نحو ( عيون ادخلوها-ونحو-متشابه انظروا-وأما-ليس البر أن تولوا وجوهكم) ، فقرأ حمزة وحفص بنصب-البر-على أنه خبر ليس ورفع الباقون على أنه اسمها و-أن تولوا-هو الاسم على قراءة النصب وهو الخبر على قراءة الرفع وإنما جاز كونه اسما لأنه مقدر بالمصدر معناه توليتكم وجوهكم ، قال الفارسي كلا الوجهين حسن وقوله في علا أي في علا ورفعة أو في حجج معتلية لأن علا بالضم والقصر يحتمل الإفراد والجمع ولا خلاف في رفع (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها) ، لأن-بأن تأتوا-قد تعين لأن يكون خبرا بدخول الباء عليه ولا يرد على الناظم لأنه قال-ليس البر-بلا واو وهذا الذي لا خلاف في رفعه هو بالواو وقد تعين النصب في القرآن في مواضع الحصر بإلا وإنما نحو (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا-ما كان حجتهم إلا أن قالوا-وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا-إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا) ، وجاء الخلاف في الأنعام في (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا) ، لكن الأكثر على النصب حملا على نظائره ووجه الرفع أنه جائز على ما ذكرناه وفي (ليس البر) ، بالعكس الأكثر على الرفع لأنه ليس للحصر وفي (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءاى أن كذبوا) ، اختلف أيضا على ما يأتي في موضعه والله أعلم
499وَلكِنْ خَفِيفٌ وَارْفَعِ اْلبِرَّ (عَمَّ) فِيهِماَ وَمُوَصٍّ ثِقْلُهُ (صَـ)ـحَّ (شُـ)ـلْشُلاَفيهما يعني فيهما يعني (ولكن البر من آمن-ولكن البر من اتقى) ، والكلام فيهما كما تقدم في (ولكن الشياطين كفروا) ، وهو على حذف مضاف أي بر من آمن-وموص-من أوصى وموص من وصى وقد تقدم أنهما لغتان كأنزل ونزل ، ومعنى الشلشل الخفيف وهو حال من فاعل صح العائد على ثقله أي صح تشديده في حال كونه خفيفا وإنما خف بسبب كثرة نظائره في القرآن المجمع عليها نحو (ووصينا الإنسان-ذلكم وصاكم به-في مواضع-وما وصينا به إبراهيم) ، وأجمعوا أيضا على التخفيف في (يوصيكم الله-و-يوصي بها-و-يوصين-و-توصون) ، في سورة النساء
500وَفِدْيَةُ نَوِّنْ وَارْفَعِ الْخَفْضَ بَعْدُ فِي طَعَامٍ (لَـ)ـدى (غُـ)صْنِ (دَ)نَا وَتَذَلَّلاَقراءة نافع وابن ذكوان على إضافة فدية إلى طعام من باب خاتم حديد وقراءة الجماعة على أن طعام بدل من فدية أو عطف بيان ولقرب هذه القراءة من الأفهام جعلها كالغصن الداني المتذلل الذي لا يعجز الضعيف عن نيل ثمره أراد قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) ، ثم ذكر الخلاف في جمع مساكين وإفراده وكل من أضاف فدية إلى طعام جمع مساكين ومن لونه أفرد إلا هشاما والله أعلم
501مَسَاكِينَ مَجْمُوعاً وَلَيْسَ مُنَوَّناً وَيُفْتَحُ مِنْهُ النُّونُ (عَمَّ) وَأَبْجَلاَمجموعا حال أي عم في حال كونه مجموعا لأن الذين يطيقونه جماعة على كل واحد إطعام مسكين فعلى الجماعة إطعام مساكين وقراءة الباقين بالإفراد على أن المراد وعلى كل واحد إطعام مسكين كقوله تعالى في موضع آخر (فاجلدوهم ثمانين جلدة) ، أي كل واحد منهم فإذا أفرد مسكين كان مكسور النون منونا لأنه مضاف إليه وإذا جمع فتحت النون من غير تنوين لأنه غير منصرف كقناديل ودنانير وحركة النون حركة إعراب على القراءتين والفتح فيها لا ينصرف علامة الجر فلم يمكن التعبير بالنصب لأن الكلمة مجرورة فكان التعبير عنها بالنصب ممتنعا ويقال أبجله الشيء أي كفاه والله أعلم
502وَنَقْلُ قُرَانٍ وَالْقُرَانِ (دَ)وَاؤُنَا وَفِي تُكْمِلُوا قُلْ شُعْبَةُ الْمِيمَ ثَقَّلاَأراد نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها كما يفعل حمزة في الوقف قرأها ابن كثير كذلك في الوصل والوقف وعطف قوله والقران بالجر على قران أي نقل هذين اللفظين أراد أن ينص على المنكر والمعرف باللام ومن جملة ما فيه الخلاف -قرآنه- في موضعين في سورة القيامة وقد نص عليه صاحب التيسير وغيره وليس هو واحدا من اللفظين المذكورين في البيت إلا أن يكون قصد ما دخله لام التعريف وما خلا منها ولو أنه قال ونقل قرآن كيف كان أو كيف جاء دواؤنا لكان أعم وأبين وما أحلى هذا اللفظ حيث كان موجها أي ذو وجهين حصل منه بيان القراءة بنقل حركة الهمزة لابن كثير وظاهره أن نقل القرآن وهو قراءته وتلاوته وتعليمه دواء لمن استعمله مخلص من أمراض المعاصي قال النبي صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن وعلمه ثم قراءة ابن كثير هذه تحتمل أن تكون من باب نقل حركة الهمزة كما ذكر وتحتمل أن تكون من قرنت بلا همز أي جمعت ومنه القران في الحج وصح عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال قرأت على إسماعيل بن قسطنطين وكان يقول القران اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قرأت ولو أخذ من قرأت كان كل ما قرئ قرآنا ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل قال وكان يقول وإذا قرأت القرآن يهمز قرأت ولا يهمز القران ، قلت والقرآن بالهمز مصدر من قرأت كالشكران والغفران والذي في سورة القيامة المراد به المصدر والخلاف فيه أيضا وذلك دليل على أن من لم يهمز نقل حركة الهمز والتسمية بالمصادر كثيرة والله أعلم وكمل وأكمل لغتان فالخلاف في-ولتكملوا العدة-كالخلاف في-ينزل-وفي فأمتعه-ونحو ذلك والميم مفعول ثقل وبقي عليه فتح الكاف لم ينبه عليه وكان له أن يقول لشعبة حرك تكملوا الميم ثقلا أو وفي تكملوا حرك لشعبة أثقلا كما قال في سورة الحج ثم-وليوفوا-فحركه لشعبة أثقلا
503وَكَسْرُ بُيُوتٍ وَالْبُيُوتَ يُضَمُّ (عَـ)ـنْ (حِـ)ـمى (جِـ)ـلَّةٍ وَجْهاً عَلَى الأَصْلِ أَقْبَلاَالكلام في عطفه والبيوت كما تقدم في قوله والقران ليجمع بين ما خلا من لام التعريف وبين ما هي فيه والخالي منها تارة يكون معرفة بالإضافة نحو-بيوتكم-و-بيوتهن-و-بيوت النبي-وتارة يكون نكرة منصوبة أو غير منصوبة نحو (فإذا دخلتم بيوتا-في بيوت أذن الله أن ترفع) ، فإذا صح لنا دخول المضاف تحت قوله بيوت صح لنا دخول قرآنه المضاف تحت قوله قران وههنا كان يحسن ذكر الخلاف في الغيوب والعيون وشيوخا وجيوب لأن الباب واحد وقد جمع ذلك ابن مجاهد وغيره هنا وجمعها الناظم في سورة المائدة والأصل ضم أوائل الجميع لأن فعلا يجمع على فعول كفلوس وفروج وقلوب ومن كسر فلأجل الياء وقال الزجاج أكثر النحويين لا يعرفون الكسر وهو عند البصريين رديء جدا لأنه ليس في الكلام فعول بكسر الفاء ذكر ذلك في سورة النور وقال أو على مما يدل على جواز ذلك أنك تقول في تحقير عين وبيت عيينة بييت فكسر الفاء هاهنا لتقريبه من الياء ككسر الفاء من فعول وذلك مما قد حكاه سيبويه قال فكما كسرة الفاء من عيينة ونحوه وإن لم يكن من أبنية التحقير على هذا الوزن لتقريب الحركة مما بعدها كذلك كسروا الفاء من جيوب ونحوها وقوله وكسر بيوت يعني كسر الباء ويضم جر الكسر في اللفظين وجلة جمع جليل كصبية جمع صبي ووجها تمييز لهم أي هم أجلاء الوجوه ويجوز أن تكون حالا من فاعل يضم ويجوز أن يكون مفعولا لحمى أي حموا قراءتهم بالضم عن طعن من طعن في الكسر لكون الضم جاء على الأصل ويجوز أن يكون وجها منصوبا بفعل مضمر أي خذ وجها وقوله على الأصل أقبلا صفة للوجه على الوجوه كلها غير وجه التمييز
504وَلاَ تَقْتُلُوهُمْ بَعْدَهُ يَقْتُلُوكُمُو فَإِنْ قَتَلُوكُمْ قَصْرُهاَ (شَـ)ـاعَ وَانْجَلاَأي قصر هذه الألفاظ الثلاثة وهي ، (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم) ، فقراءة المد من قاتل وقراءة القصر من قتل ولا خلاف في قوله-فاقتلوهم-كذلك (أنه من قتل) ، أي لا تبدءوهم بقتل ولا قتال حتى يبدءوكم به ومعنى (فإن قتلوكم فاقتلوهم) ، أي فإن قتلوا منكم أحدا فاقتلوا منهم أي فإن قتلوا بعضكم على حذف مضاف للعلم به كما سيأتي في قراءة (وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير فما وهنوا) ، أي فما وهن من لم يقتل منهم والله أعلم
505وَبِالرَّفْعِ نَوِّنْهُ فَلاَ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ وَلاَ (حَـ)ـقًّا وَزَانَ مُجَمَّلاَفلا رفث وما بعده مبتدأ وبالرفع نونه خبره وأضمر قبل الذكر لأن الخبر في نية التأخير فهو كقولك في داره زيد والمعنى نونه بالرفع أي ملتبسا به فيقرأ للباقين بغير تنوين ملتبسا بصورة النصب وهو الفتح وقيل يجوز أن تكون الهاء في نونه ضميرا مبهما قدمه بشرط التفسير وجعل (فلا رفث ولا فسوق) ، تفسيرا له وأتى بقوله ولا بعد قوله فسوق إقامة لوزن البيت وإلا فقوله ولا جدال لا خلاف في فتحه ولا شك أن لا يبني معها اسمها على الفتح إذا كان نكرة ويجوز رفعه إذا كرر وتجوز المغايرة بين ما تكرر من ذلك ففي نحو لا حول ولا قوة إلا خمسة أوجه فعلى هذا جاءت القراءتان وإنما غاير أبو عمرو وابن كثير فرفعا الأولين على أن المراد النهي عنهما وإن أتيا بلفظ الخبر أي فلا يكونن رفث وهو الجماع ولا فسوق وهو السباب أو المعاصي وأما ولا جدال فهو إخبار محض أي قد ارتفع المراء في زمن الحج وفي مواقفه بعد ما كان الاختلاف فيه بين العرب من النسئ ووقوف بعضهم بعرفة وبعضهم بمزدلفة وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فاشترط عدم الرفث والفسوق ولم يذكر الجدال فدل على أن سياقه في الآية لمعنى آخر غير ما سبق له الرفث والفسوق وهو ما ذكرناه وقراءة الجماعة تحتمل هذا التفريق أيضا ويحتمل أن يكون الجميع منهيا عنه والمراد به مخاصمة الرفقاء والخدم والمكاريين ويحتمل هذا المعنى قراءة أبي عمرو أيضا وتكون على لغة من غاير في الإعراب فقال لا حول ولا قوة والرفع في الآية أقوى منه في الحوقلة لتكرر المرفوع قبل المفتوح وقوله حقا مصدر مؤكد لقوله نونه بالرفع وزان مجملا معطوف على الفعل الذي نصب حقا أي حق ذلك حقا وزان القارئ الذي حمل هذه القراءة لحسن المعنى الذي ذكرناه في التفريق بين الثلاثة والله اعلم
506وَفَتْحُك سِينَ السِّلْمِ (أَ)صْلُ (رِ)ضًى (دَ)نَا وَحَتَّى يَقُولَ الرَّفْعُ فِي الَّلامِ (أُ)وِّلاَيعني قوله تعالى (ادخلوا في السلم كافة) ، فتح السين وكسرها لغتان وقد قرئ بهما الذي في الأنفال والقتال على ما سيأتي في الأنفال وقيل الكسر بمعنى الإسلام والفتح بمعنى الاستسلام والمصالحة ولهذا كسر أكثر القراء هنا وفتحوا في الأنفال والقتال لظهور معنى الإسلام في البقرة فظهور معنى المصالحة في غيرها فنافع وابن كثير والكسائي فتحوا الثلاثة وأبو بكر كسر الثلاثة وأبو عمرو وابن عامر وحفص كسروا في البقرة وحدها وحمزة فتح في الأنفال وحدها وأما الرفع في (حتى يقول الرسول) ، فعلى تأويل أن الفعل بمعنى المضي أي حتى قال الرسول أو هي حكاية حال ماضية والفعل إذا كان كذلك ووقع بعد حتى رفع ووجه النصب أن يكون الفعل مستقبلا وإذا كان كذلك نصبته على تقدير إلى أن يقول أو كي يقول على ما عرف في علم النحو والله أعلم
507وَفي التَّاء فَاضْمُمْ وَافْتَحِ الْجِيمَ تَرْجِعُ الأُمُورُ (سَمَـ)ـا نَصَّا وَحَيْثُ تَنَزَّلاَترجع الأمور مبتدأ وما قبله خبره أي وترجع الأمور اضمم تاءه وافتح جيمه فيصير الفعل مبنيا للمفعول لأن الله رجعهن والقراءة الأخرى على تسمية الفاعل كقوله تعالى (كل إلينا راجعون) ، ورجع ثلاثي سواء كان لازما أو متعديا وسما نصا خبر آخر لترجع الأمور ونصا منصوب على التمييز أي سما نصه بهذا وحيث تنزلا عطف على ظرف محذوف أي هنا وحيث تنزل ترجع الأمور أي حيث جاء في سور القرآن والله أعلم
508وَإِثْمٌ كَبِيرٌ (شَـ)ـاعَ بِالثَّا مُثَلَّثًا وَغَيْرُهُمَا بِالَبَاءِ نُقْطَةٌ اسْفَلاَالقراءتان بمعنى واحد لأن ما كبر فقد كثر وأجمعوا على (أكبر من نفعهما) ، وقيد الثانية بقوله مثلثا والباء بقوله نقطة اسفلا احترازا من التصحيف والتقدير هي ذات نقطة أسفلها على حذف المبتدأ أو التقدير لها نقطة أسفل على حذف الخبر ولو أنه قال نقطة بالنصب لكان حالا من الباء أي ذا نقطة ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، وقوله وغيرهما بالباء أي يقرأ بالباء والله أعلم
509قُلِ الْعَفْوَ لِلْبَصْرِيِّ رَفْعٌ وَبَعْدَهٌ لأَعْنَتْكُمْ بِالْخُلْفِ أَحْمَدُ سَهَّلاَقل العفو مبتدأ ورفع خبره أي ذو رفع والعفو الفضل هنا وهو ما يسهل إخراجه وتقدير وجه الرفع الذي ينفقونه العفو والنصب على تقدير انفقوا العفو وأحمد هو البزي سهل همزة (لأعنتكم) ، بين بين في وجه وليس من أصله تسهيل الهمزة الواحدة في كلمة ففعل ما فعله حمزة في الوقف في وجه لأنها همزة مفتوحة بعد مفتوح فقياس تسهيلها جعلها بين بين كسأل ففي قراءته جمع بين اللغتين وهو نظير إبدال حفص همزة (هزؤا-و-كفؤا) ، واوا في الوصل والوقف كما سبق والله أعلم
510وَيَطْهُرْنَ فِي الطَّاءِ السُّكُونُ وَهَاؤُهُ يُضَمُّ وَخَفَّا (إِ)ذْ (سَمَا) كَيْفَ (عُـ)وِّلاَوخفا يعني الطاء والهاء والباقون وهم حمزة والكسائي وأبو بكر فتحوهما وشددوهما لأن السكون مهما جاء مطلقا فضده الفتح والضم ضده الفتح ومعنى كلمات الرمز أن هذه القراءة كيف ما عول في تأويلها فهي سامية رفيعة محتملة للأمرين وهما انقطاع الدم والغسل والقراءة الأخرى ظاهرة في إرادة الاغتسال وأصلها يتطهرن فأدغمت التاء في الطاء أي حتى يغتسلن فتعين حمل القراة الأخرى على هذا المعنى أيضا وفي الحديث الصحيح عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين وفي رواية فإذا أنت قد طهرت أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح فيكون من قوله حتى يطهرن بهذا المعنى أو تنزل القراءتان منزلة اجتماعهما فكأنه قيل حتى يطهرن ويتطهرن أي حتى يجتمع الأمران وهما انقطاع الدم والاغتسال فأحدهما لا يكفي بدليل ما لو اغتسلت قبل انقطاع الدم فإن ذلك لا يبيح الوطئ فكذا إذا انقطع الدم ولم تغتسل والله أعلم
511وَضَمُّ يَخَافاَ (فَـ)ـازَ وَالْكُلُّ أَدْغَمُوا تُضَارَرْ وَضَمَّ الرَّاءَ (حَقٌّ) وَذُو جَلاَقرأ حمزة على ما لم يسم فاعله كيقال فقوله تعالى (أن لا يقيما حدود الله) ، يكون بدلا من ضمير التثنية في-يخافا-وهو بدل الاشتمال كقولك خفيف زيد شره فالخائف غير الزوجين من الولاة والأقارب ونحو ذلك وعلى قراءة الجماعة هما الخائفان وأن لا يقيما مفعول به والخطاب في قوله تعالى (ولا يحل لكم) ، يجوز أن يكون للأزواج وأن يكون للولاء وقوله سبحانه (لا تضار والدة) ، أصله لا تضارر بكسر الراء الأولى أو بفتحها مبنيا للفاعل أو للمفعول على اختلاف في تفسيره والكل صحيح المعنى في الآية أدغمت الراء الأولى في الثانية فمن رفع جعله خبرا بمعنى النهي ومن فتح فهو نهى انجزمت الراء له ففتحت لالتقاء الساكنين كقولك لاتعض زيدا لأن المدغم ساكن ومثله في المائدة (من يرتد منكم)-وقرئ-من يرتدد) ، على الأصل ولم يقرأ هنا تضارر فقوله وضم الراء يعني الراء المشددة الثانية من الراءين المدغمة والمدغم فيها وإنما قال الناظم وضم الراء ولم يقل ورفع الراء لأن القراءة الأخرى بالفتح لأنها حركة بناء فلا بد من الإخلال بإحدى العبارتين وقوله وذو جلا أي ذو جلاء بالمد أي انكشاف وظهور ويروى بفتح الجيم وكسرها وذو جلا ليس برمز وكذا قوله في آخر آل عمران وذو ملا لأن الواو فاصلة ولا تجعل الواو في ذلك كالواو في وحكم صحاب على ما تقدم في شرح الخطبة
512وَقَصْرُ أَتَيْتُمْ مِنْ رِباً وَأَتَيْتمُو هُنَا (دَ)ارَ وَجْهاً لَيْسَ إِلاً مُبَجَّلاَ(آتيتم من ربا) ، في سورة الروم وهنا (إذا سلمتم ما آتيتم) ، فالقصر بمعنى فعلتم والمد بمعنى أعطيتم وفي دار ضمير يعود على وقصر أتيتم ووجها تمييز أو حال أو مفعول فعل مضمر كما تقدم في قوله وجها على الأصل أقبلا واسم ليس ضمير يعود إلى الوجه والمبجل الموقر يثني على قراءة القصر خلافا لمن عابها وقرأت في حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله إنما قال ليس إلا مبجلا لأن قصره من باب المجئ لا من باب الإعطاء وإنما يتضح بتبجيله مع تفسير سلمتم بالإخلاص من المنة والخصام من قوله سبحانه (مسلمة لا شيه فيها) ، أي سالمة والله أعلم
513مَعاً قَدْرُ حَرِّكْ (مِـ)ـنْ (صَحَابٍ) وَحَيْثُ جَا يُضَمُّ تَمَسُّوهُنَّ وَامْدُدْهُ (شُـ)ـلْشُلاَقدر مفعول حرك ومعا حال مقدمة أي حرك قدر وقدر معا أي أنهما اثنان وهما قوله تعالى (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) ، ويعني بالتحريك فتح الدال لأنه مطلق وقراءة الباقين بإسكانها وهما لغتان وقوله من صحاب يتعلق بمحذوف ذلك المحذوف حال من فاعل حرك أو مفعوله أي آخذا له أو مأخوذا من صحاب أي منقولا عن جماعة ثقات معروفة صحبة بعضهم لبعض وتمسوهن فاعل جاء أي حيث جاء لفظ (تمسوهن) ، وهو في موضعين هنا وثالث في الأحزاب يضم حمزة والكسائي تاءه ويمدان الميم فيصير-تماسوهن-من فاعلت بمعنى فعلت أو هو على بابه والمراد به الجماع على القراءتين لم يختلف في ذلك وإن اختلف في معنى لامستم ولمستم في سورة النساء والمائدة على ما يأتي والشلشل الخفيف وهو رمز ولهذا لم يوهم أنه تقييد للقراءة وإن كان فيها تشديد في السين لأنه لا يقيد إلا بالألفاظ الواضحة لا بالألفاظ المشكلة المعنى والله أعلم
514وَصِيَّةً ارْفَعْ (صَـ)ـفْوَ (حِرْمِيِّهِ رِ)ضىً وَيَبْصُطُ عَنْهُمْ غَيْرَ قُنْبُلِ اعْتَلاَوصية مفعول ارفع والهاء في حرميه تعود إلى لفظ وصية أو إلى الرفع الدال عليه ارفع وصفو مبتدأ ورضى خبره أراد-وصية لأزواجهم-رفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف أي أمرهم وصية أو على حذف مضاف قبلها أي أهل وصية أو ذوو وصية أو قبل المبتدأ أي وحكم الذين يتوفون وصية أو هي مبتدأ خبرها محذوف قبلها أي عليهم وصية والنصب على المفعول المطلق وهو المصدر أي يوصون وصية وقرأ هؤلاء إلا قنبلا (والله يقبض ويبسط) ، بالصاد والباقون بالسين على ما ذكره في البيت الآتي والكلام في وجه القراءتين نحو ما تقدم في الصراط وقوله ويبصط مبتدأ واعتلا خبره أي اعتلا عن المذكورين غير قنبل وحسن قوله اعتلا أن الصاد من حروف الاستعلاء بخلاف السين ومن خالف جمع بين اللغتين والله أعلم
515وَبِالسِّينِ بَاقِيِهِمْ وَفي الْخَلْقِ بَصْطَةً وَقُلْ فِيهِماَ الوَجْهَانِ قَوْلاَ مُوَصَّلاَ(في الخلق بصطة) ، مبتدأ محذوف الخبر أي يقرؤه المذكورون بالصاد أيضا أي و (بصطة) ، في الأعراف كذلك ولا خلاف في (بسطة) ، في البقرة أنه بالسين وهو (وزاده بسطة في العلم والجسم) ، إلا ما رواه مكي وغيره من أنه قد جاء عن نافع والكسائي في بعض الطرق بالصاد وروى عن خلاد وابن ذكوان في-يبصط-و-بصطة- الوجهان الصاد والسين ومعنى موصلا منقولا إلينا وذكر في التيسير الخلاف عن خلاد فيهما قال وروى النقاش عن الأخفش هنا بالسين وفي الأعراف بالصاد وقال في غير التيسير ورأيت ابن داود قد رواهما عن أبي سهل عن ابن السفر عن الأخفش بالسين وقرأتهما على أبي الفتح وأبي الحسن جميعا بالصاد ولم يذكر مكي عن خلاد غير السين وعن ابن ذكون غير الصاد قال وروي عن حفص السين والصاد فيهما وبالوجهين قرأت لحفص
516يُضَاعِفَهُ ارْفَعْ فِي الْحَدِيدِ وَههُنَا (سَماَ شُـ)ـكْرُهُ وَالْعَيْنُ في الْكُلِّ ثُقِّلاَ0
517(كَـ)ماَ (دَ)ارَ وَاقْصُرْ مَعْ مُضَعَّفَةٍ وَقُلْ عَسَيْتُمْ بِكَسْرِ السِّينِ حَيْثُ أَتى (ا)نْجَلاَيريد (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه) ، هنا وفي سورة الحديد وجه الرفع الاستئناف أي فهو يضاعفه أو يكون معطوفا على يقرض ووجه النصب أنه جواب الاستفهام فنصب بأن مضمرة بعد الفاء وابن عامر وابن كثير شددا للعين في جميع هذا اللفظ كيفما دار وذلك معنى قوله والعين في الكلِّ ثقلا كما دار نحو (يضعف لهم-يضعف لها-يضعفه لكم) ، وكذا مضعفة في آل عمران في قوله (أضعافا مضاعفة) ، وهما لغتان ضاعف وضعف واحد وعنى بقوله واقصر حذف الألف والباقون بالمد وتخفيف العين (وعسيتم) ، هنا وفي سورة القتال قراءة نافع بالكسر قال أبو بكر الإدفوي هو لغة أهل الحجاز يكسرونها مع المضمر خاصة والفتح هو الأصل وقال أبو علي وغيره هما لغتان ، قلت وباقي الأفعال الموازنة لعسى لا يختلف حاله مع المضمر نحو-أتى-و-أتيتم-و-رمى-و-رميتم-وأثنى الناظم رحمه الله على رفع-فيضاعفه-بقوله سما شكره أي شكر العلماء له فهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول
518دِفَاعُ بِهاَ وَالْحَجِّ فَتْحٌ وَسَاكِنٌ وَقَصْرٌ (خُـ)ـصُوصًا غَرْفَةً ضَمَّ (ذُ)و وِلاِأراد (ولولا دفع الله الناس) ، هنا وفي سورة الحج والفتح في الدال والسكون في الفاء والقصر حذف الألف وهو مصدر دفع ودفاع كذلك مثل كتبت كتابا أو مصدر دافع بمعنى دفع نحو-قاتلهم الله-أي قتلهم الله ، قال أبو ذؤيب فجمع بين اللغتين ، (ولقد حرصت بأن أدافع عنهم وإذا المنية أقبلت لا تدفع) ، وأراد ذو فتح وقصر ولهذا توسط بينهما قوله وساكن فكأنه قال مفتوح ساكن مقصور وخصوصا مصدر ويأتي الخلاف في (إن الله يدافع) ، في سورة الحج (غرفة) ، بالفتح المصدر وبالضم المغروف وذو ولاء بالمد أي ذو نصرة للضم أي ضمه من هذه صفته والله أعلم
519وَلاَ بَيْعَ نَوَّنْهُ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةَ وَارْفَعْهُنَّ (ذَ)ا (أُ)سْوَةٍ تَلاَأي متأسيا بمن سبق والكلام فيهن كما سبق في (فلا رفث ولا فسوق) ، غير أن الرفع هنا في الثلاث وثم في اثنتين والذين رفعوا هنا فتحو ثم وبالعكس والنفي هنا خبر محض وثم نفى بمعنى النهي والله أعلم
520وَلاَ لَغْوَ لاَ تَأْثِيمَ لاَ بَيْعَ مَعْ وَلاَ خِلاَلَ بِإِبْرَاهِيمَ وَالطُّورِ وُصِّلاَأي وكذلك الخلاف في (لا لغو فيها ولا تأثيم) ، في سورة الطور و(لا بيع فيه ولا خلال) ، في سورة إبراهيم عليه السلام
521وَمَدُّ أَناَ في الْوَصْلَ مَعْ ضَمِّ هَمْزَةٍ وَفَتْحٍ (أَ)تَى وَالْخُلْفُ في الْكَسْرِ (بُـ)ـجِّلاَيريد (أنا أحي-أنا أقل منك مالا-إن أنا إلا نذير) ، كلهم يثبت بالألف في الوقف وأثبتها في الوصل نافع وحده وحذفها في الوصل هو الفصيح وقال الإدفوي وإثباتها لغة بعض بني قيس وربيعة قال الأعشى ، (فكيف أنا وانتحالي القوافيا ) ، وقال الآخر ، (أنا سيف العشيرة فاعرفوني ) ، وخص نافع بالإثبات ما بعده همزة مضمومة أو مفتوحة وفيما بعده همزة مكسورة خلاف عن قالون والمشهور عنه الحذف وهو ثلاثة مواضع في الأعراف والشعراء والأحقاف ولا خلاف في قصر نحو (أنا خير منه) والله أعلم
522وَنُنْشِزُهَا (ذَ)اكٍ وَبِالرَّاءِ غَيْرُهُمْ وَصِلْ يَتَسَنَّهْ دُونَ هَاءٍ (شَـ)ـمَرْدَلاَننشزها بالزاي من النشز وهو الرفع يعني تركيب العظام بعضها على بعض وذاك معناه واضح بين من ذكت النار أي اشتعلت أو من ذكا الطيب إذا فاح-و-ننشرها-بالراء نحييها من أنشر الله الموتى أي أحياهم فهو موافق لقوله تعالى (قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها) ، ويقال راء بالهمز كسائر الحروف من نحو ياء وحاء وطاء وفاء وهاء وأخواتها التي على صورتها خطا وأما التي على صورة الزاي فآخر اسمها ياء في اللغة الفصيحة وهي الزاي ، فإن قلت من أين يعلم من نظم هذا البيت أن القراءة الأولى بالزاي المنقوطة قلت من جهة أنه بين قراءة الباقين بالراء المهملة وقد لفظ بالأولى ولا يمكن أن يصحف الراء إلا بالزاي إذ ليس لنا حرف على صورتها في الخط غيرها ، فإن قلت فلقائل أن يقول لعله ابتدأ الكلمة بالمهملة ثم قال وبالزاي غيرهم يعني المنقوطة ، قلت قد تقدم جواب هذا وهو أنه اعتمد في ذلك على ما هو الأفصح في لغة الزاي ولهذا استغنى الأمير أبو نصر بن ماكولا في كتاب الإكمال في ضبط الأسماء بلفظ الزاي والراء ولا يقيد بنقط ولا إهمال للمغايرة بينهما في الخط وغيره من المصنفين وغيره من المصنفين يقيد ذلك زيادة في البيان ، قوله وصل-يتسنه-أي إذا وصلتها بما بعدها فاحذف الهاء لحمزة والكسائي دون غيرهما وأما في الوقف فثباته للجميع ، لثبوتها في رسم المصحف ووجه حذفها في الوصل أنها هاء السكت وهذا حكمها ووجه إثباتها في الوصل أنه وصل بنية الوقف إن قلنا إنها للسكت أو يقال هي من أصل الكلمة وسكنت للجزم ومعنى لم يتسنه ، لم تغيره السنهات وأصل سنة سنهة فمنهم من يصغرها على ذلك فيقول سنيهة ويقولون سانهت وفي الجمع سنهات ومنهم من يقول سانيت وسنية وسنوات فلا يأتي بالهاء فقراءة الحذف من هذه اللغة وقراءة الإثبات من اللغة الأولى والشمردل الخفيف وهو حال من يتسنه لأنه خف بحذف الهاء والشمردل أيضا الكريم فيكون حالا من الضمير المرفوع في صل والله أعلم
523وَبِالْوَصْلِ قَالَ اعْلَمْ مَعَ الْجَزْمِ (شَـ)ـافِع فَصُرْهُنَّ ضَمُّ الصَّادِ بِالْكَسْرِ (فُـ)ـصِّلاَقال اعلم مبتدأ وشافع خبره أي هو ذو شفع بالوصل مع الجزم أي جمع بين همزة الوصل مع إسكان آخره على أنه فعل أمر أو يكون معنى شافع من الشفع بمعنى الزيادة لأنه زاد على ما تقدم من أفعال الأمر نحو (فانظر إلى طعامك)-(وانظر إلى حمارك)-(وانظر إلى العظام) ، أي اعلم بما عاينت قدرة الله على ما لم تعاين والآمر له هو الله تعالى ويجوز أن يكون هو آمرا نفسه كما قال سحيم ، (عميرة ودع إن تجهزت غاديا ) ، فيكون موافقا لقراءة الجماعة بالإخبار عن نفسه فهو بهمزة القطع والرفع ، فإن قلت من أين يلزم إذا كانت همزة قطع أن تكون مفتوحة لا مضمومة ، قلت لأنه فعل أمر من ثلاثي فهمزة قطعه بالفتح سواء وقف على قال أو وصلها بها ومن قرأ بالأمر ووقف على قال ابتدأ بهمزة مكسورة وكان ينبغي أن يبين ذلك كما بين الضم في لفظ (اشدد) ، في سورة طه فقال وضم في ابتدا غيره ولو بينه لأخذ ضده وهو الفتح لقراءة الباقين وعنى بالوصل الإتيان بهمزة الوصل وجعل آخرا علم مجزوما ليؤخذ ضد الجزم عنده وهو الرفع للقراءة الأخرى ولو لفظ موضع الجزم بالسكون للزم أن تكون القراءة الأخرى بالفتح وقد نظمت بدل هذا البيت ضاما إليه البيت الذي فيه خلف ربوة في بيتين يتضمنان إيضاح القراءتين في قال اعلم ويتأخر بيت وجزءا بعدهما ولا يضر ذلك فإن ربوة مقدمة في التلاوة على أكلها فقلت ، (وصل همز قال اعلم مع الجزم وابتدا بكسر شفا واكسر فصرهن فيصلا) ، (وضم لباق وافتحوا ضم ربوة على الراهنا والمؤمنين ندكلا) ، وصرهن بالضم والكسر لغتان ومعناه الإمالة والتقطيع يقال صاره يصيره ويصوره في المعنيين وقيل الكسر للقطع والضم للإمالة وقوله فصلا ، أي بين معنى الضم بقراءة الكسر لأن الكسر متمحض للتقطيع عند بعضهم والضم يحتمل التقطيع والإمالة والله أعلم
524وَجُزْءاً وَجُزْءٌ ضَمَّ الإِسْكَانَ (صِـ)ـفْ وَحَيْثُماَ أُكْلُهَا (ذِ)كْراً وَفي الْغَيْرِ (ذُ)و (حُـ)ـلاَأي وجزء المنصوب وغير المنصوب وإنما قدم ذكر المنصوب لأنه هو الذي في سورة البقرة في قوله تعالى (ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ) ، فكان هو الأصل وأتبعه ما ليس بمنصوب نحو (جزء مقسوم) ، وإنما حافظ على لفظ المنصوب هنا دون صراط وقران وبيوت كما تقدم لأنه اكتفى في تلك بضبطها بدخول لام التعريف فيها وخلوها منها واجتزأ هنا بتعداد اللفظين المختلفين خطا لما لم تأت لام التعريف في واحدة منهما فهو مثل-شيء-و-شيئا-وقد تقدم البحث فيه في باب نقل الحركة ، وقوله صف أي اذكره أي صف ضم الإسكان فيهما وقد سبق أن مثل هذا فيه لغتان الضم والإسكان وقوله حيثما أكلها أي وحيثما أكلها موجود فصف ضم إسكانه أيضا لمدلول الذال من ذكرى نحو (فآتت أكلها ضعفين)-(أكلها دائم وظلها)و( ذكرى) ، مصدر من معنى صف لأن الواصف ذاكر أو يكون في موضع الحال أي صف ذاكرا أو مذكرا أو لأجل الذكرى أو هذه ذكرى ، وقوله وفي الغير يعني في غير أكلها مما هو من لفظه إلا أنه لم يصف إلى ضمير المؤنث نحو (أكل خمط)-(مختلفا أكله)-(ونفضِّل بعضها على بعض في الأكل) ، زاد معهم أبو عمرو على الضم لخفة هذا وثقل ما فيه ضمير المؤنث وذو حلا خبر مبتدإ محذوف يتعلق به في الغير أي والضم في غير ذلك ذو حلا أي صاحب زينة وحلية والله أعلم
525وَفي رُبْوَةٍ فِي الْمُؤْمِنِينِ وَههُناَ عَلَى فَتْحِ ضَمِّ الراءِ (نَـ)ـبِّهْثُ (كُـ)ـفِّلاَيريد قوله (كمثل جنة بربوة)-(وآويناهما إلى ربوة) ، والفتح والضم في الراء لغتان ويقال أيضا بكسر الراء وكفلا جمع كافل وهو الضامن والذي يعول غيره وكنى به عن طالب العلم وخدمه
526وَفي الْوَصْلِ لِلْبَزِّيِّ شَدِّدْ تَيَمَّمُوا وَتَاءَ تَوَفَّى فِي النِّسَا عَنْهُ مُجْمِلاَمجملا حال من الضمير في شدد أو من الهاء في عنه وهو من أجمل إذا أتى بالجميل وقوله في الوصل لأن قراءة البزي هذه لا تمكن في الوقف لأنه يشدد التاء في أوائل هذه الكلم الآتي ذكرها والحرف المشدد معدود حرفين أولهما ساكن والابتداء بساكن غير مقدور عليه فخص التشديد بحالة الوصل لتتصل التاء بما قبلها وهذا التشديد إنما هو إدغام تاء في مثلها لأن هذه المواضع التي وقع التشديد في أوائلها هي أفعال مضارعة أولها تاء المضارعة ثم التاء التي من نفس الكلمة فأدغم البزي الأولى في الثانية وغيره حذف إحدى التاءين تخفيفا ثم هذه التاءات على ثلاثة أقسام منها ما قبله متحرك كالذي في النساء (إن الذين توفاهم الملائكة) ، ومنها ما قبله حرف مد مثل (ولا تيمموا الخبيث) ، فالتشديد في هذين القسمين سائغ إذ لم يجتمع ساكنان على غير حدهما فإن (ولا تيمموا-مثل-دابة) ، فتمد الألف لذلك والقسم الثالث ما قبله ساكن صحيح نحو (هل تربصون) ، فهذا في إدغامه جمع بين الساكنين على غير حدهما وسيأتي الكلام عليه ومن المصنفين من يذكر هذه التاءات في باب الإدغام وهذا التشديد وارد في أحد وثلاثين موضعا بلا خلاف عن البزي وله موضعان مختلف عنه فيهما سيذكرهما بعد الفراغ من المتفق عليه له وقد قال مكي في التبصرة وقد روى عن البزي أنه شدد هذا وما كان مثله في جميع القرآن قال والمعول عليه هذه المواضع بعينها وقد ذكر الناظم منها في هذا البيت موضعين ثم أخذ في ذكر الباقي فقال
527وَفي آلِ عِمْرَانٍ لَهُ لاَ تَفَرَّقُوا وَالأَنْعَامُ فِيهاَ فَتَفَرَّقَ مُثِّلاَيريد (ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم)-(فتفرق بكم عن سبيله) ، ولفظ به على صفة قراءة البزي له بالتشديد ولم يلفظ بغيره على ذلك إلا قوله (لتعارفوا) ، وهو ممكن قراءته على رواية البزي وعلى غيرها وفاعل مثلا ضمير عائد على البزي يعني مثله أي أحضره لك وأظهره ولا تفرقوا مثل ولا تيمموا والتاء في فتفرق بعد متحرك فكل هذا تشديده مستقيم
528وَعِنْدَ الْعُقُودِ التَّاءُ في لاَ تَعَاَوَنُوا وَيَرْوِى ثَلاَثاَ فِي تَلَقَّفُ مُثَّلاَمثلا جمع ماثل من قولهم مثل بين يديه إذا قام وهو نعت ثلاثا أي روى التشديد في ثلاث متشخصات من لفظ تلقف وذلك في الأعراف وطه والشعراء وكلها بعد متحرك ولا تعاونوا مثل ولا تيمموا
529تَنَزَّلُ عَنْهُ أَرْبَعٌ وَتَنَاصَرُونَ نَارًا تَلَظَّى إِذْ تَلَقَّوْنَ ثقِّلاَفي الحجر (ما ننزل الملائكة) ، وفي الشعراء موضعان (على من تنزل الشياطين تنزل) ، وفي القدر من (ألف شهر تنزل) ، وفي الصافات (ما لكم لا تناصرون) ، فالذي في الحجر (وما لكم لا تناصرون) ، مثل ولا تيمموا والثاني من تنزل في الشعراء بعد متحرك فتشديد هذه الثلاثة جيد وأما الأول في الشعراء والذي في القدر (نارا تلظى)و(إذ تلقونه) ، فممتنع ذلك فيها لأنها بعد ساكن قال مكي وقوع الإدغام في هذا قبيح صعب ولا يجيزه جميع النحويين إذ لا يجوز المد في الساكن الذي قبل المشدد ، قال وقد قال بعض القراء فيه إنه إخفاء وليس بإدغام وهذا أسهل قليلا من الإدغام لأن الإخفاء لا تشديد فيه
530تَكَلَّمُ مَعْ حَرْفَيْ تَوَلَّوْا بِهُودِهاَ وَفي نُورِهَا وَالاِمْتِحاَنِ وَبَعْدَلاَيريد (لا تكلم نفس) ، في هود وفيها-تولوا-في موضعين أحدهما في أولها (فإن تولوا فإني أخاف) ، والآخر في قصة عاد وفي النور (فإن تولوا فإنما عليه ما حمل) ، وفي الممتحنة (أن تولوهم) ، فقوله لا تكلم مثل-ولا تيمموا-والبواقي في إدغامها جمع بين ساكنين ثم قال وبعد لا يعني لفظ-تولوا-جاء أيضا مشددا بعد حرف لا ثم ذكر مكانه فقال
531في الأَنْفَالِ أَيْضًا ثُمَّ فِيهَا تَنَازَعُوا تَبَرَّجْنَ في الأَحْزَابِ مَعْ أَنْ تَبَدَّلاَيعني (ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون) ، وفي القرآن غير ذلك من لفظ تولوا ولم يشدد لأنه ماض نحو ما في سورة المائدة (فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله) ، والذي في آل عمران (فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) ، وكذا الذي في آخر براءة ، (فإن تولوا فقل حبسي الله) ، يحتمل الوجهين ولكن لم يذكر في التاءات المشددة وفي الأنفال أيضا (ولا تنازعوا فتفشلوا)-(ولا تبرجن) ، فهذه الثلاثة من قبيل-ولا تيمموا-وأما (ولا أن تبدل بهن) ، فمن قبيل اجتماع الساكنين فهذه تسعة مواضع ثم ذكر العاشر فقال
532وَفي التَّوْبَةِ الْغَرَّاءِ هَلْ تَرَبَّصُونَ عَنْهُ وَجَمْعُ السَّاكِنَيْنِ هُنَا انْجَلَىقال الشيخ وقوله وجمع الساكنين أراد به وجمعنا للساكنين في النظم هنا انجلا أي انكشف وذهب لأن انقضاءه في النظم وقع هاهنا وهي ثمانية مواضع فذكرها وإن تولوا-فإن تولوا في هود وفي النور (فإن تولوا)-(إذ تلقونه)-(على من تنزل)-(نارا تلظى)-(شهر تنزل)-(هل تربصون) ، وبقي عليه اثنان (أن تبدل بهن)-(أن تولوهم) ، وذكرها غيره تسعة فأسقط-أن تبدل-وإنما هي عشرة في هذا البيت واحدة وفي الذي قبله واحدة وفي كل واحدة من البيتين قبلهما أربعة وقد بينا كلا في موضعه ، قال أو يكون قوله هنا أي في هذه القراءة ، قلت على هذا المعنى يحتمل أن يكون الناظم أشار إلى عسر هذه القراءة وعدم تحقق النطق بالتشديد مع وجود الساكن الصحيح قبل التاء كما أشار إلى ذلك في آخر باب الإدغام الكبير أي انكشف أمره وبان عسره وظهر تعذره وعلى الوجه الأول يكون المعنى أن المواضع التي يلزم من تشديدها الجمع بين الساكنين قد ذكرت فيما تقدم وفرغ منها هنا وليس يفهم من ذلك أنه ذكرها مرتبة بل تفرق ذكرها في أثناء المواضع ولكلامه هذا فائدة جليلة سيأتي ذكرها بعد شرح بيتين آخرين ثم تمم ذكر التاءات ولم يبق إلا ما هو بعد متحرك أو حرف مد فقال
533تَمَيَّزَ يَرْوِي ثُمَّ حَرْفَ تَخَيَّرُونَ عَنْهُ تَلَهَّى قَبْلَهُ الْهَاءَ وَصَّلاَيعني (تكاد تميز)-(لما تخيرون)-(فأنت عنه تلهى) ، ولا يمنع تشديد التاء من صلة الهاء في عنه بواو على أصله بل يصل ويشدد فيقع التشديد بعد حرف مد هو الواو فيبقى مثل-ولا تيمموا-فهذا معنى قوله قبله الهاء وصلا أي وصل الهاء بواو وتمم الناظم البيت بذلك زيادة في البيان خوفا من ترك الفطن لذلك كما أنه يترك الصلة في نحو-لعلمه الذين-ويستظهر بقول الناظم ولم يصلوا ها مضمر قبل ساكن وقد تقدم الفرق بينهما في سورة أم القرآن في شرح قوله ومن دون وصل ضم ها قبل ساكن وفي أول باب هاء الكناية وقد ذكر مكي-عنه تلهى-في جملة ما قبله حرف مد ولولا الصلة لعده في جملة ما قبله متحرك والله أعلم
534وَفي الْحُجُراتِ التَّاءُ فِي لِتَعَارَفُوا وَبَعْدَ وَلاَ حَرْفَانِ مِنْ قَبْلِهِ جَلاَيريد قوله تعالى (ولا تجسسوا)-(ولا تنابزوا ) ، فهذان موضعان كل واحد منهما بعد لفظ ولا وهما من قبل قوله-وقبائل لتعارفوا- والكل في سورة الحجرات وقوله جلا ليس برمز لورش فهو موهم ذلك فإن جميع الأبيات يقيد فيها بأنها عنه أوله ويروى فيفهم عود ذلك إلى البزي وكل بيت خلا من شيء من ذلك لم يكن فيه ما يوهم رمزا لأنه مجرد تعداد المواضع فيكون القيد فيما بعدها شاملا للجميع كقوله تكلم في الأنفال البيتين فإن الجميع تقيد بقوله في البيت الآخر (هل تربصون) ، عنه فإن قلت فهذا البيت أيضا قد تقيد في البيت بعده من قوله عنه على وجهين قلت تكون الهاء في عنه عائدة على مدلول جلا فالإيهام باق بحاله بخلاف ما تقدم فإنه لم يسبقه ما يوهم الرمز به والضمير في جلا لقوله (لتعارفوا) ، أي كشف عن الحرفين اللذين قبله بدلالته عليهما فهذا آخر الكلمات المعدودة أحدا وثلاثين المشددة للبزي بلا خلاف منها سبعة بعد متحرك وأربعة عشر بعد حرف مد وعشرة بعد ساكن صحيح والذي قبله حرف مد منه واحد بعد الواو وهو-عنه تلهى- وثلاثة عشر بعد الألف ثم ذكر له موضعين آخرين اختلف عنه فيهما فقال
535وَكُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الَّذِي مَعْ تَفَكَّهُونَ عَنْهُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَافْهَمْ مُحَصِّلاَيعني (ولقد كنتم تمنون الموت) ، في آل عمران ، (فظلتم تفكهون) ، في الواقعة ويصل الميم قبل ذلك كما تقدم في (عنه تلهى) ، فيبقى من قبيل-ولا تيمموا ، فإن قلت لم ينص الناظم على صلة الميم قلت لا حاجة إلى ذلك فإنه معلوم من موضعه ولو لم ينص على صلة (عنه تلهى) ، لما احتيج إلى ذلك كما سبق ولهذا لم يذكر في التيسر صلة شيء من ذلك اتكالا على ما علم من مذهبه ومن المشتغلين بهذه القصيدة من يظن أنه لا صلة في الميمين لعدم نص الناظم عليها وذلك وهم منه والناظم وإن لم يصرح بالصلة فقد كنى عن ذلك بطريق لطيف لمن كان له لب وفهم مستقيم وذلك أنه لو لم تكن هنا صلة لأدى التشديد إلى جمع الساكنين على غير حدهما وقد قال الناظم فيما قبل ، وجمع الساكنين هنا انجلا ، وكان من هذه العبارة وجود الصلة في هذه الميم تصديقا لقوله إن اجتماع الساكنين قد انقضى عند قوله (قل هل تربصون) ، وما أدري ما وجه الخلاف في تشديد هاتين التاءين وليت الخلاف كان عند وجود الساكنين وإلى مثل هذه الدقائق والمعاني أشار بقوله فافهم محصلا أي في حال تحصيل واشتغال وبحث وسؤال لا في حال كلال وملال وعدم احتفال والحمد لله على كل حال
536نِعِمَّا مَعاً في النُّونِ فَتْحٌ (كَـ)ـمَا (شَـ)ـفَا وَإِخْفَاءِ كَسْرِ الْعَيْنِ (صِـ)ـيغَ (بِـ)ـهِ (حُـ)ـلاَمعا يعني هنا وفي النساء فالذي هنا-إن تبدوا الصدقات فنعما هي-والذي في سورة النساء-إن الله نعما يعظكم به-وكذلك حيث ذكر الناظم معا فإن معناه أن هذا الحرف في موضعين أحدهما أو كلاهما في هذه الصورة كما قال معا قد حرك فإن كان الحرف في أكثر من موضعين لم يقل معا بل يقول حيث أتى أو جميعا أو الكل ونحو ذلك ولو قال معا في الزائد على الاثنين لكان سائغا في اللغة وقد سبق تقريره في باب الهمز المفرد ولكنه فرق بين المعنيين بذلك وليس بحتم أن يقول معا في موضعي الخلاف بل قد يأتي بعبارة أخرى نحو قوله وفي لام لله الأخيرين حذفها (عسيتم) ، بكسر السين حيث أتى انجلا وهو في موضعين فقط كما مر ذكره فإن كان الخلاف في موضعين لكلمة واحدة وتلك الكلمة قد جاءت على أحد الوجهين في موضع ثالث بلا خلاف لم يقل فيه معا لأنه لا يفهم من ذلك موضع الخلاف من موضع الاتفاق بل ينص على موضعي الخلاف كقوله وكسرك (سخريا) ، بها وبصادها لأن الكلمة قد جاءت أيضا في الزخرف ولكنها مضمومة بلا خلاف واعلم أن (نعما) ، كلمتان كتبتا متصلتين والتقى المثلان فأدغمت الميم في الميم واتفق القراء على الإدغام موافقة لخط المصحف فإنهما كتبتا بميم واحدة وهذا موضع اتفق عليه من باب الإدغام الكبير لأن الميم من نعم متحركة مفتوحة وقد أدغمت في الميم من ما الداخلة عليها وكان الأصل نعم ما كما تقول بئس ما ولما أريد الإدغام لم يمكن مع سكون العين قبلها فكسرت فمن القراء من أشبع الكسر في الموضعين معا وهم ابن كثير وورش وحفص وكل من فتح النون ومنهم من أخفى الكسر واختلسه تنبيها على أن أصل هذه العين السكون وهم أبو عمرو وقالون وأبو بكر ، وما أحسن ما عبر عنهم الناظم بقوله صيغ به حلا وباقي القراء وهم ابن عامر وحمزة والكسائي فتحوا النون وكسروا العين وهذه هي اللغة الأصلية في هذا الفعل كحمد وعلم ثم سكن عينه تخفيفا لكثرة استعماله ونقلت كسرة العين إلى النون فصارت هذه هي أفصح اللغات فيه كما قال تعالى في موضع لا يتصل به ما (نعم العبد) ، فلما اتصلت به ما وجب الإدغام لأجل الخط ولزم كسر العين لأجل الساكنين بقيت كسرة النون على حالها ومن فتحها عدل عن اللغة الأصلية ليأتي بالكسر الأصلي للعين ولا يحتاج إلى كسر لالتقاء الساكنين ويجوز أيضا في اللغة أن يقال في نعم المجردة عن كلمة ما نعم بكسر النون والعين ونعم بفتح النون وسكون العين نص على ذلك أبو جعفر النحاس وغيره وقد ذكر بعض المصنفين في القراءات إسكان العين مع الإدغام وذلك غير مستقيم في التحقيق ونسبه صاحب التيسير إلى من حكى لهم الإخفاء هنا فقال قالون وأبو بكر وأبو عمرو بكسر النون وإخفاء حركة العين ويجوز إسكانها وبذلك ورد النص عنهم والأول أقيس ، قلت ولم يعرج الناظم على هذه الرواية وترك ذكرها كما ترك ذكر نظيرها في (لا تعدوا في السبت) ، كما يأتي وأصاب في ذلك قال مكي في التبصرة وقد ذكر عنهم الإسكان وليس بالجائز وروى عنهم الاختلاس وهو حسن قريب من الإخفاء وقال في الكشف روى عن أهل الإخفاء الاختلاس وهو حسن وروى الإسكان للعين وليس بشيء ولا قرأت به لأن فيهما جمعا بين ساكنين ليس الأول حرف مد ولين وذلك غير جائز عند أحد من النحويين وقال أبو علي من قرأ (فنعما) ، بسكون العين لم يكن قوله مستقيما عند النحويين لأنه جمع بين ساكنين الأول منهما ليس بمد ولين وقد أنشد سيبويه شعرا قد أجتمع فيه الساكنان على حد ما اجتمعا في نعما وأنكره أصحابه قال ولعل أبا عمرو أخفا ذلك كأخذه بالإخفاء في نحو (بارئكم-و-يأمركم) ، فظن السامع الإخفاء إسكانا للطف ذلك في السمع وخفائه وقال أبو جعفر النحاس فأما الذي حكى عن أبي عمرو ونافع من إسكان العين فمحل ، حكى عن محمد بن يزيد أنه قال أما إسكان العين والميم مشددة فلا يقدر عليه أحد أن ينطق به وإنما يروم الجمع بين ساكنين ويحرك ولا يأبه أي لا ينتبه للتحريك ولا يفطن به ، وقد اختار قراءة الإسكان الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام وهو من عجيب اختياراته فذكر قراءة الإسكان في كتابه أولا ثم ذكر قراءة فتح النون وكسر العين ثم قال وبالقراءة الأولى قرأت لأنها فيما يروى لغة النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لعمرو بن العاص نعما المال الصالح للرجل الصالح ، قال هكذا يروى عنه صلى الله عليه وسلم على هذا اللفظ قال ثم أصل الكلمة أيضا إنما هي نعم زيدت فيها ما وإنما قرأ تلك القراءة الأخرى من قرأها لكراهة أن يجمعوا بين ساكنين العين والميم فحركوا العين قال وهو مذهب حسن في العربية ولكنه على خلاف الحديث والأصل جميعا ، قال أبو إسحاق الزجاج بعد ذكره كلام أبو عبيد ولا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا ولا هذه القراءة عند البصريين النحويين جائزة البتة لأن فيها الجمع بين ساكنين مع غير حرف مد ولا لين ، قلت صدق أبو إسحاق فكما قيل عمن روى قراءة الإسكان إنه سمع الإخفاء فلم يضبط كذلك القول في رواة الحديث بل أولى لكثرة ما يقع في الأحاديث من الروائق على خلاف فصيح اللغة وقد أخرج هذا الحديث الحاكم في كتابه المستدرك وقال في آخره يعني بفتح النون وكسر العين هذا حديث صحيح ، قلت والحديث بتمامه مذكور في ترجمة عمرو بن العاص في تاريخنا الشامي وغيره والباء في بالمال زائدة مثلها في (وكفى بالله شهيدا) والله أعلم
537وَيَا وَنُكَفِّرْ (عَـ)ـنْ (كِـ)ـرَامٍ وَجَزْمُهُ (أَ)تَى (شَـ)ـافِيًا وَالْغَيْرُ بِالرَّفْعِ وُكِّلاَيعني أن حفصا وابن عامر بالياء والباقون بالنون وهي ظاهرة وأما الياء فإخبار عن الله أو عن المذكور وهو الإخفاء ولإيتاء الذي دل عليه قوله تعالى (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) ، أي هذا الفعل خير لكم وهو يكفر عنكم وجزم الراء من القراء نافع وحمزة والكسائي لأنه معطوف على موضع (فهو خير لكم) ، وموضعه جزم على جواب الشرط وسيأتي مثل ذلك في الأعراف (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم) ، قرئ بالياء والنون والجزم والرفع والأكثر ثم على الياء والرفع ووجه الرفع فيهما الاستئناف واستقل الجواب بما قبل ذلك وقوله والغير بالرفع زيادة في البيان لم تدع إلى ذكر ضرورة لأن الرفع ضد الجزم كما أن النون ضد الياء فكما لم يذكر النون كان له أن لا يذكر الرفع والله أعلم
538وَيَحْسَبُ كَسْرُ السِّينِ مُسْتَقبَلاً (سَمَا) (رِ)ضَاهُ وَلَمْ يَلْزَمْ قِيَاساً مُؤَصَّلاَمستقبلا حال من يحسب ولولا هو لما كان الخلاف إلا في الذي في سورة البقرة فقط (يحسبهم الجاهل أغنياء) ، فقال مستقبلا ليشمل كل فعل مستقبل في القرآن سواء كان بالياء وأو بالتاء متصلا به ضمير أو غير متصل نحو (أيحسب الإنسان)-(أم تحسب أن أكثرهم)-(ولا تحسبن)-(وهم يحسبون)-(فلا تحسبنهم) ، ولو قال موضع مستقبلا كيف أتى كان أصرح لكنه خاف أن يلتحق بذلك الفعل الماضي نحو (وحسبوا ألا تكون فتنة)-(أحسب الناس أن يتركوا) مما لا خلاف في كسره وكسر السين مبتدأ ثان والعائد إلى المبتدأ الأول وهو يحسب محذوف تقديره كسر السين منه وسما رضاه خبره والكسر والفتح في ذلك لغتان مشهورتان والفتح هو الجاري على القياس لأن ماضيه مكسور السين والغالب على الأفعال التي ماضيها كذلك أن مستقبلها بالفتح كعلم يعلم وشرب يشرب ، وأما إتيان المستقبل بالكسر كالماضي فخارج عن القياس ولم يأت إلا في أفعال يسيرة منها حسب ونعم وبئس فهذا معنى قوله ولم يلزم قياسا مؤصلا أصلته العرب وعلماء العربية وفاعل يلزم ضمير يرجع على يحسب أي لو لزم القياس لكانت سينه مفتوحة واختار أبو عبيد قراءة الكسر وذكر حديثا عن لقيط بن صبرة قال كنت وافد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا نحن عنده إذ روح الراعي غنمه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أولدت قال بهمة قال اذبح مكانها شاة ثم قال لا تحسبن ولم يقل لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها قال أبو عبيد بالكسر نقرؤها في القرآن كله اختيارا لما حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لغته واتباعا للفظه والله أعلم
539وَقُلْ فَأْذَنُوا بِالْمَدِّ وَاكْسِرْ (فَـ)ـتىً (صَـ)ـفَا وَمَيْسَرَةَ بِالضَّمِّ في السِّينِ (أُ)صِّلاَفتى صفا حال من الضمير في واكسر وأراد كسر الذال وبالمد أراد به ألفا يزيدها بعد الهمزة ويلزم من ذلك تحريك الهمزة والعبارة مشكلة على من لا يعرف القراءة إذ قد يفهم أن الكسر في الهمزة فيكون المد بعدها ياء أو يريد بالمد الألف بعد الألف التي هي بدل من الهمزة الساكنة ويكون الكسر في الذال فيلبس ذلك على من لا يعرف فيحتاج إلى موقف ولو قال ومد وحرك فأذنوا اكسر فتى صفاه لظهر الأمر فقراءة حمزة وأبي بكر من الأعلام أي فأعلموا من وراءكم بحرب من الله لأن آذن بمعنى أعلم وقراءة الجماعة من أذن به أي علم به فهو أذين أي كونوا على إذن بحرب من الله ورسوله وأما ميسرة بالفتح والضم فلغتان والفتح أفصح وأشهر وأقيس وهي اختيار أبي عبيد وغيره والله أعلم
540وَتَصَّدَّقُوا خِفٌّ (نَـ)ـمَا تُرْجَعُونَ قُلْ بِضَمٍّ وَفَتْحٍ عَنْ سِوى وَلَدِ الْعُلاَيريد (وأن تصدقوا خير لكم) ، وأصله تتصدقوا فحذف عاصم إحدى التاءين وغيره أدغم الثانية في الصاد فمن ثم جاء التشديد وأراد (واتقوا يوما ترجعون فيه) ، والخلاف فيه على ما سبق معناه في ترجع الأمور
541وَفي أَنْ تَضِلَّ الْكَسْرُ (فَـ)ـازَ وَخَفَّفُوا فَتُذْكرَ (حَقًّـ)ـا وَارْفَعِ الرَّا (فَـ)ـتَعْدِلاَإنما قال فاز لأن وجهه ظاهر أي إن ضلت إحداهما ذكرتها الأخرى ولهذا رفع فتذكر لأنه جواب الشرط نحو (ومن عاد فينتقم الله منه) ، فلما لم يستقم مع الكسر إلا الرفع قال فتعدلا ومن فتح أن فعلى التعليل وعطف فتذكر على تضل وإن كان التعليل في الحقيقة إنما هو الإذكار ولكنه تقدم ذكر سببه وهو الإضلال ونظيره أعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه به وعلة إعداد السلاح إنما هو دفع العدو لا مجيئه ولكن ذكر مجيء العدو توطئة له لأنه سبب الدفع والتخفيف والتشديد في فتذكر لغتان يقال اذكر وذكر كأنزل ونزل والله أعلم
542تِجَارَةٌ انْصِبْ رَفْعَهُ فِي النِّسَا (ثَـ)ـوى وَحَاضِرةٌ مَعْهَا هُنَا عَاصِمٌ تَلاَالذي في النساء (إلا أن تكون تجارة عن تراض) وهنا (إلا أن تكون تجارة حاضرة) ، فنصب التي في النساء الكوفيون ونصب التي في البقرة عاصم مع صفتها وهي حاضرة فقوله وحاضرة معها أي وانصب حاضرة مع تجارة هنا ثم قال عاصم تلا ذلك أو التقدير عاصم تلا حاضرة معها أي نصبهما وأجاز الناظم مع ههنا أي مع الحرف الذي ههنا فوجه النصب في الموضعين جعل كان ناقصة واسمها مضمر يعني الأموال ذات تجارة ومن رفع جعلها تامة وقيل إنها أيضا هنا ناقصة والخبر تديرونها ويجوز أن يقدر في النساء دائرة بينكم والله أعلم
543وَ (حَقٌّ) رِهَانٍ ضَمُّ كَسْرٍ وَفَتْحَةٍ وَقَصْرٌ وَيَغْفِرْ مَعْ يُعَذِّبْ (سَمَا) الْعُلاَأي حق جمع رهان أن يكون مضموم الراء والهاء وأن تحذف ألفه وهو المراد بقوله وقصر فيقال رهن يشير إلى أن رهن جمع رهان وهو قول الأكثر ورهان جمع رهن وهو قياس جمعه كفرخ وفراخ وبغل وبغال وكبش وكباش والرهن في الأصل مصدر ثم استعمل استعمال الكتاب فكما يسمى المكتوب كتابا كذلك يسمى المرهون رهنا وقيل رهن أيضا جمع رهن كسقف وسقف وأما قوله تعالى (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ، فقرءتا بالجزم عطفا على (يحاسبكم) ، وبالرفع قرأ ابن عامر وعاصم على الاستئناف أي فهو يغفر ويعذب ثم ذكر تتمة رمز الجزم فقال
544(شَـ)ـذَا الْجَزْمِ وَالتَّوْحِيدُ فِي وَكِتَابِهِ (شَـ)ـرِيفٌ وَفي التَّحْرِيمِ جَمْعُ (حِـ)مىً (عَـ)لاَشذا فاعل سما في البيت الماضي والعلا مفعول أي طال شذا جزم يغفر مع يعذب العلا والشذا حدة الطيب وتوحيد الكتاب هنا أريد به القرآن أو جنس الكتاب وفي التحريم أريد به الإنجيل أو الجنس ولم يقرأ بالجمع في التحريم إلا أبو عمرو وحفص لأنه ليس معه ورسله بخلافه هنا وروينا في جزء المخزومي عن علي بن عاصم قال أخبرنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ (وصدقت بكلمات ربها وكتبه) ، ويقول الكتاب أكثر من الكتب قال علي بن عاصم فسألت أهل العربية فقالوا الكتاب جماع الجميع قلت كأنهم أشاروا إلى أن الكتاب مصدر فجميع الكتب كتابه المشهورة وغير المشهورة ووجه قراءة من جمع في البقرة وأفرد في التحريم أنه نظر إلى من أسند الفعل إليه في الموضعين وهو في البقرة مسند إلى المؤمنين ومؤمنو كل زمان لهم كتاب يخصهم وفي التحريم الفعل مسند إلى مريم وحدها فأشير إلى الكتاب المنزل في زمانها ووجه الجمع أن قبلها (بكلمات ربها) ، وفي البقرة قبلها (وملائكته) وبعدها (ورسله)
545وَبَيْتِي وَعَهْدِي فَاذُكُرُونِي مُضَافُهَا وَرَبِّي وَبِي مِنِّي وَإِنِّي مَعاً حُلاَأي في هذه السورة من ياءات الإضافة المختلف في فتحها وإسكانها على ما تقرر في بابها ثماني ياءات وإنما ذكر في آخر كل سورة ما فيها من ياءات الإضافة لأنه لم ينص عليها بأعيانها في بابها وإنما ذكرها على الإجمال فبين ما في كل سورة من الياءات المختلف فيها لتنفصل من المجمع عليها ويأخذ الحكم فيما يذكره من الياءات السابق في أحكامها ولم يذكر الزوائد لأنها كلها منصوص عليها بأعيانها في بابها وصاحب التيسير لما لم ينص على الجميع بأعيانها في البابين احتاج إلى ذكر الأمرين في آخر كل سورة وبيان حكم كل ياء منها فتحا وإسكاناً حذفا وإثباتا وزاد بعض المصنفين في آخر كل سورة ذكر ما فيها من كلمات الإدغام الكبير مفروشة ، أما الياءات الثماني المنصوصة فنشرحها ونبين أحكامها استذكارا لما سبق بيانه قوله تعالى (بيتي للطائفين) ، فتحها نافع وهشام وحفص (عهدي الظالمين) ، سكنها حمزة وحفص (فاذكروني أذكركم) ، فتحها ابن كثير وحده (ربي الذي يحيي) ، سكنها حمزة وحده (بي لعلهم يرشدون) ، فتحها ورش وحده (مني إلا من اغترف) ، فتحها نافع وأبو عمرو (إني أعلم ما لا تعلمون)-(إني أعلم غيب السموات) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو فهذا معنى قوله وإني معا أي تكررت مرتين وحلا أي هي حلا وفي هذه السورة من ياءات الزوائد ثلاث ياءات (أجيب دعوة الداع إذا دعان) ، أثبتها أبو عمرو وورش في الوصل وقالون على رواية (واتقون يا أولي الألباب) ، أثبتها أبو عمرو وحده في الوصل وكنت قد طلب مني نظم الزوائد في أواخر السور تبعا لياءات الإضافة ففعلت ذلك في نيف وعشرين بيتا سيأتي ذكرها مفرقة في أواخر السور التي تكون فيها وقلت في آخر سورة البقرة بيتا ابتدأته بعد ياءات الإضافة المنظومة وهو ، (فتلك ثمان والزوائد واتقون من قبلها الداعي دعاني قد انجلا) ، والله أعلم