قراءة لهذا الموضوع

الرقمالبيتالشرح
632وَ(صُحْبَةُ) يُصْرَفْ فَتْحُ ضَمٍّ وَرَاؤُهُ بِكَسْرٍ وَذَكِّرْ لَمْ يَكُنْ شَاعَ وَانْجَلاَأي الذي صحب يصرف فتح يائه وكسر رائه كما تقول صحبة زيد عمرو وبكر وإنما قال فتح ضم ولم يقل فتح ياء لما ذكرناه في فتح ضم استحق يريد قوله تعالى (من يصرف عنه يومئذ) ، قراءة صحبة على معنى من يصرف الله عنه العذاب وقراءة الباقين على بتاء الفعل للمفعول وأما (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا) ، فقراءة حمزة والكسائي يكن بالياء وهذا معنى التذكير الذي أشار إليه بقوله وذكر فإن الباقين قرءوا بالتاء على التأنيث فاسم يكن على قراءتهما قوله أن قالوا وفتنتهم الخبر وأما قراءة الباقين فمن نصب فتنتهم فهذا وجهها ومن رفع فتنتهم جعلها الاسم والخبر أن قالوا والله أعلم
633وَفِتْنَتُهُمْ بالرَّفْعِ (عَـ)ـنْ (دِ)ين (كَـ)ـامِلٍ وَبَا رَبِّناَ بِالنَّصْبِ (شَـ)ـرَّفَ وُصَّلاَمن رفع الفتنة مع تأنيث يكن فقراءته ظاهرة ومن نصبها ففي قراءته إشكال فإن الاسم إن قالوا وهو مذكر فما وجه التأنيث وهي قراءة أبي عمرو ونافع وأبي بكر فقال أبو علي ءانث أن قالوا لما كان الفتنة في المعنى وفي التنزيل (فله عشر أمثالها) ، وقال لبيد ، (فمضى وقدمها وكانت عادة منه إذ هي غردت إقدامها) ، فأنث الإقدام لما كان العادة في المعنى قال وقد جاء في الكلام ما جاءت حاجتك فأنث ضمير ما حيث كان الحاجة في المعنى ونصب الحاجة مثل ذلك قولهم من كانت أمك فأنث ضمير من حيث كان الأم ومثله (ومن يقنت منكن لله) ، قال الزجاج ويجوز أن يكون تأويل أن قالوا إلا مقالتهم أي فيؤنث الفعل على هذا التقدير لأن المقالة مؤنثة والنصب في (والله ربنا) ، على النداء أو بإضمار أعني والخفض على النعت والثناء وقوله وصلا جمع واصل وهو مفعول شرف والفاعل ضمير يعود على الباء أي شرف هذا النداء الواصلين إلى الله لا هؤلاء الكفرة
634نُكَذِّبُ نَصْبُ الرَّفْعِ (فَـ)ـازَ (عَـ)ـلِيمُهُ وَفِي وَنَكُونَ انْصِبْهُ (فِـ)ـي (كَـ)ـسْبِهِ (عُـ)ـلاَأي انصب الرفع وكان يمكنه أن يقول وفي ونكون النصب ولكن كان يلزم من تلك العبارة أن يكون ضده الخفض ولما قال انصبه علم أن القراءة الأخرى الرفع والرفع في الفعلين على العطف على (نرد) ، أي ياليتنا نرد ونوفق للإيمان والتصديق أو يكون على القطع أي ونحن لا نكذب ونكون من المؤمنين أي قد عاينا وشاهدنا مالا نكذب معه أبدا ومنه قولهم دعني ولا أعود ويجوز أين كونا في موضع الحال أي ياليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين والنصب فيهما على جواب التمني بالواو وابن عامر نصب-ونكون-على الجواب ورفع ولا نكذب على ما سبق من الوجوه الثلاثة ويشكل على قراءة النصب وعلى قراءة الرفع أن جعلنا لجميع متمنى أو قلنا الواو للحال قوله سبحانه بعد ذلك (وإنهم لكاذبون) ، والمتمنى لا يوصف بصدق ولا كذب فيحمل ذلك على أنه استئناف إخبار عنهم بصفة ذم من جملة صفاتهم كما لو قال-وإنهم لظالمون
635وَلَلدَّارُ حَذْفُ اللاَّمِ الاُخْرَى ابْنُ عَامِرٍ وَالآخِرَةُ المَرْفُوعُ بِالْخِفْضِ وُكِّلاَيعني حذف ابن عامر لام التعريف وأبقى لام الابتداء وأضاف الدار إلى الآخرة على تقدير ولدار الساعة الآخرة أو لدار الحياة الآخرة وكتبت في مصاحف الشام بلام واحدة وقراءة الجماعة بالتعريف وجعل الآخرة صفة للدار
636وَ(عَمَّ عُـ)ـلاً لاَ يَعْقِلُونَ وَتَحْتَهاَ خِطاَباً وَقُلْ فَي يُوسُفِ (عَمَّ نَـ)ـيْطَلاَعلا تمييز أو حال أي عم علاه أو عاليا وفاعل عم لا يعقلون وخطابا أيضا حال أي مخاطبا وذا خطاب ويجوز أن يكون خطابا تمييز على قولنا إن علا حال ونيطلا أيضا تمييز أي نصيبا وقال الشيخ هو مفعول من أجله أي عطاء لأنه يستعمل في العطاء وأصله للدلو ثم استعير للنصب كما قال تعالى (ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم) ، والغيبة والخطاب في ذلك ظاهران ولفظه في السور الثلاث (أفلا تعقلون) ، وبعده في الأنعام (قد نعلم إنه ليحزنك) ، وفي الأعراف وهي المراد بقوله وتحتها أي تحت هذه السورة بعده (والذين يمسكون بالكتاب) ، وبعده في يوسف (حتى إذا استيأس الرسل) ، الخطاب في الثلاث لعم علا وتابعهم أبو بكر في يوسف والذي في يس لابن ذكوان ونافع وذلك قوله
637وَيَاسِينَ (مِـ)ـنْ (أَ)صْلٍ وَلاَ يُكْذِبُونَكَ الْخَفِيفُ (أَ)تى (رُ)حْباً وَطَابَ تأَوُّلاَيعني الذي بعده (وما علمناه الشعر) ، وبقي موضع آخر في القصص ذكره في سورته (وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون) ، الخطاب فيه لغير أبي عمرو وأما (فإنهم لا يكذبونك) ، فالتخفيف فيه والتشديد من باب واحد أكذب وكذب مثل أنزل ونزل وتأولا تمييز ورحبا حال من الضمير في أني العائد على يكذبونك أو مفعول به أي صادف مكانا رحبا من صدور قرائه لقبولهم له وتوجيههم لمعانيها إذ يحتمل أن يكون من أكذبته أي وجدته كاذبا وأكذبته أيضا إذا نسبته إلى الكذب كقول الكميت (فطائفة قد أكقرتني بحبكم ) أي نسبتني إلى الكفر
638أَرَيْتَ فِي الاِسْتِفْهَامِ لاَ عَيْنَ (رَ)اجِعٌ وَعَنْ نَافِعٍ سَهِّلْ وَكَمْ مُبْدِلٍ جَلاَيعني إذا جاء لفظ رأيت أو رأيتم بعد همزة الاستفهام فالكسائي وحده يسقط عين الكلمة وهي الهمزة لأنها عين الفعل تخفيفا لاجتماعها مع همزة الاستفهام وهي لغة للعرب مشهورة كقوله ، (أرأيت امرءا كنت لم أبله أتاني فقال اتخذني خليلا) ، وقد أجمع على إسقاطها في المضارع نحو-يرى-مع الاستفهام وغيره فلم ترجع في الماضي في هذا الموضع وهو الاستفهام فقوله راجع صفة لعين أي باعتبار الموضع ويحوز نصبه على هذا نحو لا رجل ظريفا فيها ولا رجل ظريف فيها كلاهما لغة وخبر لا محذوف ، أي راجع فيه ولو جعلت راجع خبر لا لم يبق عائد إلى المبتدأ الذي هو رأيت فهذا كقولك زيد لا غلام ظريف له أو في الدار ويجوز أن يكون راجع خبر المبتدأ ولا عين على تقدير لا عين فيه جملة حالية ، أي رأيت محذوف العين راجع في المعنى إلى الثابت العين لأنهما لغتان بمعنى واحد وهذا الوجه أولى ليكون قد رمز بعد كمال التقييد وعلى الوجه الأول يلزم أن يكون راجع من جملة التقييد وهو رمز وليس ذلك من عادته ولأن هذا الباب لو فتح للزم أن تكون كلمات التقييد رمزا وإلا فجعل البعض رمزا دون بعض فيه إلباس وقد سبق التنبيه على أن لفظ فيه في قوله وكسر لما فيه ملبس وأنه لو قال فضم سكونا فيه لكان فيه محتملا للتقييد وهو رمز وأما قوله وفي ونكون انصبه فلو لم يكن ظاهرا كل الظهور أن لفظ النصب لا يأتي إلا بيانا للقراءة وتقييدا لها وإلا لأوهم أنه رمز نافع ولم تكن له حاجة بذلك البيان فإن الكلمة التي قبلها مثلها في القراءة فكانت الثانية داخلة في قيدها وهذه عادته كقوله فيما يأتي إذا فتحت شدد لشام وههنا فتحنا ولم يحتج أن يعيد لفظ شدد وكذا وإن بفتح عم نصر أو بعدكم نما وكذا وينذر صندلا ولم يحتج أن يقول بالغيب وقال بعضهم تقدير البيت اذكر رأيت كائنا في الاستفهام ثم قال وعن نافع سهل أي جعل الهمزة التي أسقطها الكسائي بين بين على قياس تخفيف الهمز وأبدلها جماعة من مشايخ مشيخة المصريين لورش ألفا وهذا على ما تقدم له من الخلاف في-أنذرتهم-وأنتم-والله أعلم
639إِذَا فُتِحَتْ شَدِّدْ لِشَامٍ وَههُنَا فَتَحْناَ وَفِي الأَعْرَافِ وَاقْتَرَبَتْ كَلاَيعني (إذا فتحت يأجوج ومأجوج)-(فتحنا عليهم أبواب كل شيء)-(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم)-(ففتحنا أبواب السماء) والتخفيف والتشديد في كل ذلك لغتان ومن عادته أن يجمع النظائر مقدما لما في سورته مهما أمكن وهنا لم يمكنه فقدم الذي في الأنبياء ثم رجع إلى ما في سورة الأنعام وغيرها ومعنى كلا حفظ وهو مهموز كما قال تعالى (قل من يكلوكم بالليل والنهار) ، ولكن وقف عليه فأبدل من الهمزة ألفا لسكونها والله أعلم
640وَبِالْغُدْوَةِ الشَّامِيُّ بِالضَّمِّ ههُناَ وَعَنْ أَلِفٍ وَاوٌ وَفِي الْكَهْفِ وَصَّلاَأي يقرأ بن عامر بالغدوة والعشي بضم الغين وسكون الدال وبالواو موضع الألف فتصير بالغدوة ولم ينبه على كون الدال ساكنة استغناء باللفظ به وكان له أن يستغني أيضا باللفظ عن ذكر الضم والواو وإنما ذكرهما لتعرف القراءة الأخرى فيه بالضم على الفتح ونص على الألف بدلا عن الواو وبقي فتح الدال استغنى عن التنبيه عليه لأن الألف لا يكون قبلها إلا مفتوح أو تركه لأنه قد لفظ بالدال في قراءة ابن عامر ساكنة فكأنه قال بسكون الدال ولو قال ذلك لكان ضدا لكون المطلق الحركة المطلقة وهي الفتح ومعنى قوله عن ألف واو أي وثبت له بدلا عن واو ثم قال وفي الكهف وصلا أي اتبع الذي في الكهف الذي في الأنعام فقرأ ذلك كما قرأ هذا أو وفي الكهف وصل هذه القراءة إلينا ورسمت الغدوة بالواو في جميع المصاحف كالصلوة والزكوة والحيوة قال الفراء في سورة الكهف من كتاب المعاني قرأ أبو عبد الرحمن السلمي بالغدوة والعشي ولا أعلم أحدا قرأ بها غيره والعرب لا تدخل الألف واللام في الغدة لأنها معرفة بغير ألف ولام سمعت أبا الجراح يقول ما رأيت كغدوة قط يعني بردا أصابه ، يريد كغداة يومه ألا نرى أن العرب لا تضيفها فكذلك لا تدخلها الألف واللام إنما يقولون أتيتك غداة لخميس ولا يقولون غدوة الخميس فهذا دليل على أنها معرفة وقال أبو عبيد كان عبد الله بن عامر وأهل الشام أو كثير منهم يقرءونها بالغدوة على واو كذلك يروي عن أبي عبد الرحمن السلمي وأما القراءة فعلى غير هذا قرءوا جميعا بالغداة قال وكذلك هي عندنا وإنما نرى ابن عامر والسلمي قرءا تلك القراءة اتباعا للخط قال والذي نقول به ليس في إثباتهم الواو في الكتاب دليل على القراءة بها لأنهم قد كتبوا الصلوة والزكوة بالواو ولفظهما على تركها وكذلك الغداة على هذا وجدنا ألفاظ العرب قال ابن النحاس قرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن عامر ومالك بن دينار بالغدوة قال وباب غدوة أن يكون معرفة إلا أنه يجوز تنكيرها كما تنكر الأسماء الأعلام فإذا نكرت دخلتها الألف واللام للتعريف وعشى وعشية نكرتان لا غير قال أبو علي وجه دخول لام المعرفة عليها أنه قد يجوز وإن كان معرفة أن ينكر كما حكاه زيد من أنهم يقولون لقيته فينة والفينة بعد الفينة ففينته مثل الغدوة في التعريف بدلالة امتناع الانصراف وقد دخلت عليه لام التعريف وذلك أن يقدر من أمه كلها له مثل هذا الاسم فيدخل التنكير لذلك وقول من قال بالغداة أبين قال سيبويه زعم الخليل أنه يجوز أن يقول أتيتك اليوم غدوة و بكرة فجعلهما بمنزلة ضحوة قال أبو العباس المهدوي حكى سيبويه والخليل أن بعضهم ينكره فيقول رأيته غدوة بالتنوين وبذلك قرأ ابن عامر نكرة فأدخل عليها الألف واللام والله أعلم
641وَأَنَّ بِفَتْحٍ (عَمَّ نَـ)ـصْراً وَبَعْدُ(كَـ)ـمْ (نَـ)ـماَ يَسْتَبِينَ (صُحْبَةٌ) ذَكَّرُوا وِلاَنصراً تمييز أو حال كما تقدم في وعم علا ونما أي ورد من قولهم نما الحديث قال من حديث نمى إلي عجيب أي كم مرة نمى أي نقل أراد أنه (من عمل منكم سوءا بجهالة) ، والذي بعده (فإنه غفور رحيم) ، قرأهما ابن عامر وعاصم بالفتح ونافع فتح الأول وكسر الثاني والباقون بكسرهما فكسرهما معا ظاهر أما الأول فوقع مستأنفا على وجه التفسير والثانية واقعة بعد فاء الجزاء فكانت مكسورة كقوله سبحانه (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم) ، أجمعوا على كسرها وهذا وجه كسر نافع لها وأما فتح الأول فعلى البدل من الرحمة أو على تقدير لأنه وفتحت الثانية وإن كانت بعد فاء الجزاء على حذف مبتدأ أي فأمره-أنه غفور رحيم-أو على تقدير حذف الخبر فالغفران حاصل له وقد أجمع على الفتح في (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له)-(كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله) ، ومنهم من جعل الثانية تكريرا للأولى لأجل طول الكلام على حد قوله (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) ، ودخلت الفاء في (فأنه غفور رحيم) ، على حد دخولها في (فلا تحسبنهم بمفازة) ، على قول من جعله توكيدا لقوله (ولا تحسبن الذين يفرحون) ، إلا أن هذا ليس مثل (أيعدكم أنكم إذا متم) ، لأن هذه لا شرط فيها وتلك فيها شرط فيبقى بغير جواب فقيل الجواب محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره غفور له ومنهم من جعل الثانية معطوفة على الأولى بالفاء وكل هذا تكلف والوجه ما قدمناه وأجاز الزجاج كسر الأولى مع فتح الثانية وإن لم يقرأ به وأما (ولتستبين سبيل) ، فذكره صحبة متابعة للرواية أي قرءوه بالياء لأن لفظ السبيل مذكر في قوله تعالى (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا)-(وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا) ، ومن قرأه بالتاء أنثوه كما جاء (قل هذه سبيلي)-(ويبغونها عوجا) ، وكل هذا على قراءة من رفع سبيل على أنه فاعل تستبين وهم كل القراء غير نافع على ما سيأتي في أول البيت الآتي وأما قراءة نافع بنصب سبيل فعلى أنها مفعول تستبين والتاء للخطاب لا للتأنيث أي ولتستبين-أنت-سبيل المجرمين-أي تتبينها وتعرفها فقول الناظم صحته ذكروا يريد أن غيرهم أنثوا ونافع لم يؤنث وإنما جاء بتاء المخاطبة ولكن العبارة ضاقت عليه فلم يمكنه التنبيه عليه واغتفر أمره لأن قراءته كقراءة الجماعة لفظا بالتاء إلا أنهما يفترقان في المعنى وذلك لا يقدح في التعريف بصورة القراءة وقوله ولا أي متابعة وهو في موضع نصب على الحال أو هو مفعول من أجله والله أعلم
642سَبِيلَ بِرَفْعٍ (خُـ)ـذْ وَيَقْضِ بِضَمِّ سَاكِنٍ مَعَ ضَمِّ الْكَسْرِ شَدِّدْ وَأَهْمِلاَمضى الكلام في رفع سبيل ونصبه وأما يقضي الحق فقرئ بضم الساكن وهو القاف وبضم الكسر في الصاد مع تشديد الصاد وإهمالها وهو أن تجعلها غير منقوطة فتعود صادا فتصير الكلمة يقص من القصص من قوله تعالى (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) ، وبمعنى الإتباع من قوله سبحانه (فارتدا على آثارهما قصصا) ، أي يتبع الحق فيما يفعل والقراءة الأخرى من القضاء والحق نعت مصدر محذوف أي يقضي القضاء الحق أو مفعول به على إسقاط الخافض أي يقضي بالحق كما قال (والله يقضي بالحق) ، وهو مفعول صريح على أن يقضي بمعنى يصنع الحق وتفعله والياء منه محذوفة في الرسم باتفاق فلهذا احتمل القراءتين ثم رمز لمن قرأ يقص من القصص في أول البيت الآتي فقال
643(نَـ)ـعَمْ (دُ)ونَ (إِ)لْبَاس وَذكَّرَ مُضْجِعاً تَوَفَّاهُ وَاسْتَهْوَاهُ حَمْزَةُ مُنْسِلاَما أحسن ما عبر عن القراءتين في يقص وكأنه جعل حسن ذلك حالة نظمه فقال بعده نعم دون إلباس قدر كأن سائلا سأل فقال هل استوعبت قيود هاتين القراءتين فقال نعم من غير إلباس بل هو أمر واضح ظاهر ووقع لي أنه كان غنيا عن تكلف هذه العبارة وذلك بأن يلفظ بالقراءتين معا فهو أسهل مما أتى فلو قال ، (سبيل برفع خذ ويقض يقص صاد حرمي نصر إذ بلا ياء انزلا) ، لحصل الغرض واجتمع في بيت واحد بيان اللفظين في القراءة ورمزها وعرف بأن رسمها بلا ياء ولكن فيما عبر به الناظم رحمه الله صناعة حسنة وأسلوب غريب وأما (توفته رسلنا)-(كالذي استهوته الشياطين) ، فقرأهما حمزة توفاه واستهواه والخلاف فيهما كالذي سبق في (فنادته الملائكة) ، في آل عمران أي ذكر حمزة لفظ هذا الفعل وأضجع ألفه أي أمالها على أصله ولو لم يذكر الإمالة لكان ذلك معلوما من أصله كما أنه في البيت الآتي لما ذكر الكوفيين قرءوا-أنجانا-في موضع-أنجيتنا-لم يتعرض للإمالة وكان ذلك مفهوما من بابها فحمزة والكسائي يميلان الألف وعاصم لا يميل على أصله وضد تذكير الفعل تأنيثه وذلك بإلحاق تاء ساكنة آخره فيلزم حذف الألف من آخر الفعل لسكونها وقوله منسلا ليس برمز لأنه صرح باسم القارئ ولم يأت بعده بواو فاصلة لظهور الأمر يقال انسلت القوم إذا تقدمتهم وهو حال من حمزة والله أعلم
644مَعاً خُفيَةً فِي ضَمِّهِ كَسْرُ شُعْبَةٍ وَأَنْجَيْتَ لِلْكًوِفِيِّ أَنْجى تَحَوَّلاَالضم والكسر في خفية لغتان وقوله معا يعني هنا وفي الأعراف (تدعونه تضرعا وخفية)-(ادعوا ربكم تضرعا وخفية) ، أي مظهرين للضراعة والاستكانة ومضمرين ذلك في أنفسكم أي ادعوا ربكم وارغبوا إليه ظاهرا وباطنا وأما التي في آخر الأعراف (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) ، فذلك من الخوف بتقديم الياء على الفاء ووزنه فعلة كجلسة وركبة فأبدلت الواو ياء لأجل الكسرة قبلها وأما قوله (لئن أنجيتنا من هذه) ، فعلى الخطاب وقراءة الكوفيين على الغيبة أي أنجانا الله وهما ظاهران أي وأنجيت تحول للكوفي أنجا وهم في ذلك على أصولهم في الإمالة فيميلها حمزة والكسائي ولم يبين ذلك كما بين في-توفاه-واستهواه-وفناداه الملائكة لضيق العبارة عليه والله أعلم
645قُلِ اللهُ يُنْجِيكُمْ يُثَقِّلُ مَعْهُمُ هِشَامٌ وَشَامٍ يُنْسِيَنَّكَ ثَقَّلاَأي هشام مع الكوفيين على تشديد ينجيكم وابن عامر وحده على تشديد (ينسينك الشيطان) ، والتخفيف والتشديد فيهما لغتان أنجى ونجى وأنسى ونسى كأنزل ونزل وأكمل وكمل وأمتع ومتع
646وَحَرْفَيْ رَأَى كُلاًّ أَمِلْ (مُـ)ـزْنَ صُحْبَةٍ وَفِي هَمْزِهِ (حُـ)ـسْنٌ وَفِي الرَّاءِ (يُـ)ـجْتَلاَكلا بمعنى جميعا فهو حال من رأى أي حيث أتى رأى فأمال حرفيه أي أمل حرفي رأى جميعا وليس كلا تأكيدا لحرفي لأن تأكيد المثنى إنما يكون بلفظ كلا ولو أراد ذلك لأتى بلفظ معا واتزن النظم به ولا هو تأكيد لرأي وإلا لكان مخفوضا كما قال المخلصين الكل فلا يتجه أن يكون كلا هنا إلا بمنزلة جميعا في نحو قوله عليهم إليهم حمزة ولديهم جميعا فيكون منصوبا على الحال من رأى ورأى هنا معرفة أي وحرفي هذا اللفظ فجاز نصب الحال عنه وإن كان مضافا إليه لأنه من باب رأيت وجه القوم جميعا ومزن صحبة منصوب على الحال أيضا أو على المدح وكنى بالمزن وهو السحاب عن العلم وعنى بالحرفين الراء والهمزة وعلى التحقيق الهمزة غير ممالة وإنما الإمالة في الألف التي بعدها وإنما من ضرورة ذلك إضجاع فتحة الهمزة والعرب تستحسن إمالة الراء لا سيما إذا كان بعدها ألف ممالة ثم قال وفي همزة حسن أي واقتصر على إمالة همز رأى أبو عمرو وفي إمالة الراء خلاف عن السوسي ومزن صحبة أمالوهما معا والله أعلم
647بِخُلْفٍ وَخُلْفٌ فِيهِماَ مَعَ مُضْمِرٍ (مُـ)ـصِيبٌ وَعَنْ عُثْمَانَ في الْكُلِّ قَلِّلاَأي وعن ابن ذكوان الخلف في إمالة الهمزة والراء معا إذا اتصلت الكلمة بالمضمر نحو (ولقد رآه نزلة أخرى)-(رآها تهتز)-(فرآه في سواء الجحيم) ، وجه الخلاف بعد الألف عن الطرف باتصال الضمير بها وعثمان هو ورش أمال الحرفين حيث جاءت كلمة رأى بين بين نحو (رأى كوكبا)-(رأى نارا) ، وقوله بخلفٍ في أول البيت يعني عن السوسي المرموز في البيت السابق ثم ابتدأ وخلف فيهما فقوله فيهما خبر المبتدإ إن كان مصيب صفته وإلا فهو صفته إن كان مصيب الخبر وفي قللا ضمير تثنية يرجع إلى حرفي رأى والكل هنا هو كلا في البيت السابق
648وَقَبلَ السُّكُونِ الرَّا أَمِلْ (فِـ)ـي (صَـ)ـفاَ يَدٍ بِخُلْفٍ وَقُلْ فِي الْهَمْزِ خُلْفٌ (يَـ)ـقِي (صِـ)ـلاَيعني إذا وقع رأى قبل ساكن نحو (رأى القمر)-(رأى الشمس)-(ورأى المجرمون النار)-(وإذا رأى الذين) ، فقد تعذرت إمالة الألف لسقوطها لأجل الساكن وإضجاع الهمز إنما كان لأجل إمالة الألف فأمال هؤلاء الراء تقدير أن الألف كلها موجودة ممالة بخلف عن السوسي وحده وأما إمالة الهمزة ففيها الخلاف عن السوسي وعن أبي بكر لأنه إذا قدم ذكر الخلف وأطلقه كان لجميع من يأتي بعده وإن قدم ذكر القراء اختص الخلف المطلق بالأخير منهم وإن قيد الخلف ظهر أمره وخلف السوسي أنه يميل الراء والهمزة معا ولا يميلهما معا ومثله الخلف المذكور لهشام في باب الزوائد في إثبات ياء-كيدوني-في الإعراف وصلا ووقفا أو لا يثبتها وصلا ووقفا ووجه إمالة الهمزة اعتبار الأصل أيضا فإن التقاء الساكنين عارض ولينبه على أنه لو وقف على الكلمة لأمال وقوله في صفايد أي في صفا نعمة وقوله يقي صلا يعني العلم لأن معرفة الخلف تستلزمه أي يقي صلاء النار إن شاء الله تعالى وصلاء النار حرها صح بالكسر والمد والفتح والقصر
649وَقِفْ فِيهِ كَالأُولَى وَنَحْوُ رَأَتْ رَأَوْا رَأَيْتُ بِفَتْحِ الْكُلِّ وَقْفاً وَمَوْصِلاَفيه بمعنى عليه أي إذا وقفت على هذا الذي لقيه ساكن فالحكم فيه كالحكم في الكلمة الأولى وهي (رأى كوكبا) ، ونحوه فتميل الحرفين لحمزة والكسائي وأبي بكر وابن ذكوان وتميل لأبي عمرو فتحة الهمزة وحدها وأما السوسي فلا يختلف حكمه فإن الخلف له في إمالة الراء في الكلمتين وورش أمال الحرفين بين بين فهذه تفاصيل مذاهبهم في نحو-رأى كوكبا-تطرد في نحو (رأى القمر) ، إذا وقفت على-رأى-لأن الساكن قد زال فرجعت الألف فأما إذا كان بعد الهمز ساكن لا ينفصل من الكلمة نحو (فلما رأته حسبته لجة)-(رأتهم من مكان بعيد)و(إذا رأوك)-(فلما رأوه عارضا)و(إذا رأوهم قالوا)-(فلما رأينه أكبرنه)-(وإذا رأيت الذين يخوضون)-(إذا رأيتهم حسبتهم) ، فكل القراء يفتحون الراء والهمزة لأن الألف التي بعد الهمزة هنا معدومة لا ترجع أبدا وكسر فتحة الهمزة إنما كان لأجل إمالة الألف وكذلك الذين أمالوا الراء إنما فعلوا ذلك لأنهم كانوا يميلونها لإمالة الألف أو مع كونها في حكم الموجودة في نحو-أي القمر-فأما في موضع سقطت فيه الألف وليست في حكم الموجودة فإنهم فتحوا على الأصل في الوقف والوصل وقوله بفتح الكل أي مقروء بفتح القراء كلهم واقفين وواصلين
650وَخَفِّفَ نُوناً قَبْلَ فِي اللهِ (مَـ)ـنْ (لَـ)ـهُ بِخُلْفٍ (أَ)تى وَالْحَذْفُ لَمْ يَكُ أَوَّلاَيعني نون (أتحاجوني في الله) ، ولم يمكنه النطق بالكلمة في نظمه لما فيها من اجتماع الساكنين وذلك لا يقع متزنا ومثله ما يأتي في سورة النحل ومن قبل فيهم يكسر النون نافع ويشبه ذلك تعبيره عن-ستجدني-بقوله وما بعده إن شاء لأن في ستجدني خمس متحركات متواليات وذلك ممتنع في الشعر والأصل أتحاجونني بنونين الأولى علامة رفع الفعل والثانية نون الوقاية فللعرب في مثل ذلك ثلاث لغات إبقاء النونين على حالهما كما قال تعالى في سورة سبأ (وإذ تأمروننا أن نكفر بالله) ، وإدغام الأولى في الثانية على أصل قاعدة الإدغام فيلزم من ذلك النطق بنون مشددة واللغة الثالثة حذف إحدى النونين فبقي نون واحدة مخففة كرهة للتضعيف وقد قرئ بهذه اللغات الثلاث في سورة الزمر (أفغير الله تأمروني أعبد) ، كما يأتي قرئ ( أتعدانني) ، في الأحقاف بالإظهار والإدغام دون الحذف ولم يقرأ هنا بالإدغام والحذف وقيل إن الحذف لغة غطفان وقوله من له أتى أي خفف النون القارئ الذي أتى التخفيف له أي الذي وصل إليه نقله وورد إليه خبره وعرفه قراءة ولغة خلافا لمن أنكر الحذف وقوله بخلف يعني عن هشام وحده لإطلاقه فرجع إلى من يليه وهو المرموز في له دون من وقوله والحذف لم يك أولا يعني أن المحذوفة من النونين هي الثانية دون الأولى لأن الاستثقال بها وقع ولأن الأولى تقوم مقامها في وقاية الفعل وهي دالة على رفع الفعل ففي حذفها إخلال ولأن الأولى قد تكون ضمير الفاعل وذلك نون جماعة المؤنث نحو أكرمتني وقد جاء الحذف في فليتى وتخوفني والأصل فليتني فلا ينبغي أن يقال الفاعل حذف وبقي نون الوقاية وأيضا فقد حذفت نون الوقاية حيث لم يجتمع مع غيرها في نحو قدى وليتى ولعلى ففهم أنها هي المجترأ على حذفها في جميع المواضع ولا ضرورة تلجئ إلى الكشف عن مثل هذا والبحث عنه ولكنه من فوائد علم العربية وقد تعرض له أبو علي في الحجة ويأتي مثل هذا في سورة الحجر
651وَفي دَرَجَاتَ النُّونِ مَعْ يُوسُفٍ (ثَـ)ـوَى وَوَالَّليْسَعَ الْحَرْفاَنِ حَرِّكْ مُثَقِّلاَيعني (نرفع درجات من نشاء) ، هنا مع حرف يوسف وعنى بالنون التنوين في درجات وثوى أي أقام التنوين فيها وتقديرها نرفع درجات من نشاء فيكون درجات منصوبا على التمييز أو الحال أي ذوى درجات أو على إسقاط الخافض أي في درجات ويشهد لهذه القراءة قوله تعالى ، (ورفع بعضهم درجات وآتينا)-(ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم)-(ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ) ، القراءة الأخرى على إضافة درجات إلى أصحابها فتكون هي المرفوعة ومنه قوله تعالى (رفيع الدرجات) ، وفي الحديث اللهم ارفع درجته في عليين ومن رفعت درجته فقد رفع ، قوله ووالليسع لفظ القرآن-واليسع-فأدخل واو العطف الفاصلة على ذلك لتحصل حكاية لفظ القرآن وهي في موضعين هنا وفي سورة ص وإليهما أشار بقوله الحرفان لأن الحرف اصطلاح القراء عبارة عن الكلمة المختلف في قراءتها وفي إعراب الحرفان نظر وذلك أنه جاء بلفظ الرفع فلزم أن يكون ووالليسع قبله مبتدأ والحرفان بدل منه بدل الاشتمال كأنه قال حرفاه أي موضعاه ويجوز أن يكون مبتدءا ثانيا أي الحرفان من هذا اللفظ ولو قال الحرفين بالنصب لكان أجود إعرابا وأقل إضمارا فإن قولك زيدا اضرب بنصب زيد أولى من رفعه بدرجات وقوله والليسع حرك مثل زيدا اضرب سواء وأراد بالتحريك فتح اللام لأنه ليس في كلمة اليسع ساكن سواها ومثقلا حال من فاعل حرك أي مشددا اللام ثم تمم الكلام فقال
652وَسَكِّنْ (شِـ)ـفَاءَ وَاقْتَدِهْ حَذْفُ هَائِهِ (شِـ)ـفَاءً وَبِالتَّحْرِيكِ بِالْكَسْرِ (كُـ)ـفِّلاَيعني سكن الياء وضاق عليه النظم عن بيان محل التسكين فإنه محتمل أن يكون في الياء والسين وشفاء حال أي ذا شفاء فقرأ حمزة والكسائي على أن اسمه ليسع على وزن لحمر فدخلت عليه آلة التعريف وعلى قراءة الجماعة يكون اسمه كأنه يسع على وزن يضع ثم دخله الألف واللام كقوله رأيت الوليد ابن اليزيد وكل هذا من تصرفاتهم في الأسماء الأعجمية واختار أبو عبيد قراءة التخفيف وقال كذلك وجدنا اسم هذا النبي في الأنباء والأحاديث وقال الفراء في قراءة التشديد هي أشبه بأسماء العجم وقوله تعالى (فبهداهم اقتده) ، الهاء في اقتده هاء السكت فحذفها في الوصل شفاء كما تقدم في-يتسنه-ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف واتبع الرسم وأجمعوا على إثبات هاء السكت في الوصل في-كتابيه-وحسابيه-في موضعين في الحاقة واختلفوا في-ماليه-و-سلطانيه-و-ماهيه-في سورة القارعة على ما يأتي وابن عامر حرك هاء-اقتده-بالكسر قال ابن مجاهد يشم الهاء الكسر من غير بلوغ ياء قال وهذا غلط لأن هذه الهاء هاء وقف لا تعرف في حال من الأحوال أي لا تحرك وإنما تدخل ليتبين بها حركة ما قبلها وقال أبو علي ليس بغلط ووجهها أن تجعل الهاء كناية عن المصدر لا التي تلحق الوقف وحسن إضماره لذكر الفعل الدال عليه وعلى هذا قول الشاعر ، (هذا سراقة للقرآن يدرسه ) ، فالهاء كناية عن المصدر ودل يدرس على الدارس ولا يجوز أن يكون ضمير القرآن لأن الفعل قد تعدى إليه اللام فلا يجوز أن يتعدى إليه وإلى ضميره كما أنك إذا قلت زيدا ضربته لم تنصب زيدا بضربت لتعديه إلى الضمير قلت فالهاء على هذا ضمير الاقتداء الذي دل عليه اقتد وقيل ضمير الهدى وقيل إن هاء السكت تشبه بهاء الضمير فتحرك كما تشبه هاء الضمير بهاء السكت فتسكن وقوله كفلا أي جعل له كافل وهو الذي ينصره ويذب عنه ثم قال
653وَمُدَّ بِخُلْفٍ (مَـ)ـاجَ وَالْكُلُّ وَاقِفٌ بِإِسْكَانِهِ يَذْكُو عَبِيرًا وَمَنْدَلاَأي مد كسرة الهاء ابن ذكوان بخلاف عنه والمد فرع تحريكها فجرى فيها على القياس إذ هاء الضمير بعد المتحرك موصولة في قراءة-يؤده-و-فألفه-ونحوهما وهشام من مذهبه القصر في ذلك فقصرها هنا وقوله ماج أي اضطرب وهو صفة لخلف وهو من زيادات هذه القصيدة فلم يذكر صاحب التيسير فيه عن ابن ذكوان غير المد وذكر النقاش عن هشام حذف الهاء كقراءة حمزة والكسائي وذكر عن ابن ذكوان مثل قراءة نافع وغيره بالإسكان ويجوز في قراءة الإسكان أن تكون الهاء ضميرا على ما ذكر في قراءة ابن عامر وأسكنت كما أسكنت في-فألقه-ويتقه-ونحوهما فإذا وقفت على-اقتده-فكلهم أثبتوا الهاء ساكنة لأنها إن كانت هاء السكت فظاهر وإن كانت ضميرا فالوقف يسكنها فهذا معنى قوله والكل واقف بإسكانه أي بإسكان الهاء ويذكو معناه يفوح من ذكت النار أي اشتعلت والعبير أخلاط تجمع بالزعفران عن الأصمعي وقال أبو عبيدة هو الزعفران وحده والمندل العود يقال له المندل والمندلي ذكره المبرد وأنشد ، (إذا أخمدت يلقى عليها المندل الرطب ) ، وقال صاحب الصحاح رحمه الله المندلي عطر ينسب إلى المندل وهي بلاد الهند وانتصب عبيرا ومندلا على التمييز ويجوز أن يكونا حالين أي مشبها ذلك والضمير في يذكو للهاء ، أو الإسكان وموضع الجملة من يذكو نصب على الحال لأن إثبات الهاء في الوقف ساكنة لا كلام فيه والله أعلم
654وَتُبْدُونَهَا تُخْفُونَ مَعْ تَجْعَلُونَهُ عَلَى غَيْبِهِ (حَـ)ـقًّا وَيُنْذِرَ (صَـ)ـنْدَلاَيعني (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا) ، وجه الغيب فيه الرد على قوله (إذ قالوا ما أنزل الله على بشر) ، والخطاب لقوله (قل إى) ، قل لهم ذلك وقوله وعلمتم على قراءة للغيب التفات والغيب في (ولينذر أم القرى) ، يرجع إلى الكتاب فيكون فعل الإنذار مسندا إلى الكتاب والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وصندلا تمييز أو حال على ما سبق في عبيرا ومندلا عطف جميع ما في هذا البيت على ما في البيت السابق أي وهذا المذكور في هذا البيت يذكو صندلا كما ذكا ذاك عبيرا ومندلا وقوله على غيبة أي على ما فيه من الغيبة فهو في موضع الحال كقولك هو على حداثته يقول الشعر أي ويذكو يبدونها وما بعده على غيبه حقا مصدر مؤكد والصندل شجر طيب الرائحة والله أعلم
655وَبَيْنَكُمُ ارْفَعْ (فِـ)ـي (صَـ)ـفَا (نَفَرٍ) وَجَاعِلُ اقْصُرْ وَفَتْحُ الْكَسْرِ وَالرَّفْعِ (ثُـ)ـمِّلاَأي كائنا في صفا نفر فقصر الممدود أو أراد في صلابة الصفا المقصورة لقوة الحجة فيه قال أبو عبيد وكذلك نقرؤها بالرفع لأنا قد وجدنا العرب تجعل بين اسما من غير ما ويدل على ذلك قوله (فلما بلغا مجمع بينهما) ، فجعل بين اسما من غير ما وكذلك قوله (هذا فراق بيني وبينك) ، وقد سمعناه في غير موضع من أشعارها وكان أبو عمرو يقول معنى-تقطع بينكم-تقطع وصلكم فصارت ههنا اسما من غير أن يكون معها ما قال وقرأها الكسائي نصبا وكان يعتبرها بحرف عبد الله لقد تقطع ما بينكم ، قال الزجاج الرفع أجود ومعناه لقد تقطع وصلكم والنصب جائز المعنى لقد تقطع ما كان من الشرك بينكم قال أبو علي لما استعمل بين مع الشيئين المتلابسين في نحو بيني وبينك شركة وبيني وبينه رحم وصداقة صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة وعلى خلاف الفرقة فلهذا جاء لقد تقطع وصلكم ، قلت وقيل المعنى تفرق جمعكم وتشتت وقيل اتسع في الظرف فأسند الفعل إليه مجازا كما أضيف إليه في قوله تعالى (شهادة بينكم) و (مجمع بينهما) ، و(هذا فراق بيني وبينك) ، وقال عنترة (كأنها أقص الأكام عشية بقريب بين المنشمين مصلم) ، وقول أبي عمرو لقد تقطع وصلكم يعني أن البين يطلق بمعنى الوصل فلا يكون الظرف متسعا فيه هذا وجه آخر وقراءة النصب على أنه ظرف على أصله والفاعل مضمر دل عليه سياق الكلام أي لقد تقطع الاتصال بينكم وقيل لقد تقطع الذي بينكم فحلف الموصول وقيل تقطع الأمر بينكم وقيل بينكم صفة موصوف محذوف أي لقد تقطع وصل بينكم كقولهم ما منهما مات أي أحد مات وقيل الفاعل (ما كنتم تزعمون) ، أي لقد تقطع وصل ما زعمتم كقولك قام وقعد زيد فأحد الفعلين رافع للفاعل الموجود والآخر فاعله مضمر لدلالة الموجود عليه وأما قوله تعالى (وجاعل الليل سكنا) ، فهذه القراءة موافقة لقوله تعالى (فالق الإصباح) ، كلاهما اسم فاعل أضيف إلى مفعوله وقرأه الكوفيون-وجعل الليل-جعلوه فعلا ماضيا ومفعولا به لأن فالق بمعنى فلق فعطفوا-وجعل-عليه أراد فتح الكسر في العين وفتح الرفع في اللام ومعنى ثمل أصلح والله أعلم
656وَعَنْهُمْ بِنَصْبِ اللَّيْلِ وَاكْسِرْ بِمُسْتَقَرْرٌ الْقَافَ (حَـ)ـقًّا خَرَّقُوا ثِقْلُهُ (ا)نْجَلاَأي عن الكوفيين لأنه صار مفعولا وفي قراءة الباقين هو مضاف إليه فكان مجرورا وقوله سبحانه بعد ذلك-والشمس والقمر-بالنصب يقوي قراءة الكوفيين أي وجعل ذلك حسبانا وقوله تعالى (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) ، هما بفتح القاف والدال موضع الاستقرار والاستيداع فالتقدير فلكم مستقر وهو حيث يستقر الولد في الرحم ولكم مستودع وهو حيث أودع المنى في صلب الرجل وإذا كسرت القاف كان اسم فاعل أي فمنكم مستقر في الرحم أي قد صار إليها واستقر فيها ومنكم من هو مستودع في صلب أبيه فعلى هذه القراءة يكون مستودع اسم مفعول لأن فعله متعد ولم يتجه في مستقر بفتح القاف أن يكون اسم مفعول لأن فعله لازم فلهذا عدل إلى جعله اسم مكان وعطف مستودع عليه لفظا ومعنى لإمكان ذلك فيهما والتخفيف والتشديد في-وخرقوا له بنين-لغتان والتخفيف أكثر وفي التشديد معنى التكثير ولهذا قال انجلا أي ظهر وجهه وانكشف معناه وهو التكثير لأن المشركين قالوا الملائكة بنات الله وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وكل طائفة من هؤلاء عالم لا يحصى ومعنى وخرقوا أي افتروا ذلك يقال خرق واختلق واخترق إذا افترى والباء في بنصب زائدة أو التقدير وثمل الفتح أيضا بنصب الليل عنهم
657وَضَمَّانِ مَعْ يَاسِينَ فِي ثَمَرٍ (شَـ)ـفَا وَدَارَسْتَ (حَقٌّ) مَدُّهُ وَلَقَدْ حَلاَأي هنا ويس يريد (انظروا إلى ثمره إذا أثمر)-(ليأكلوا من ثمره وما عملته) ، فالضمان في الثاء والميم فيكون جمع ثمرة كخشب في جمع خشبة أو جمع ثمار ككتب في جمع كتاب أو جمع ثمر كأسد في جمع أسد وقيل هو اسم مفرد لما يجنى كطنب وعنق وأما ثمر بفتح الثاء والميم فجمع ثمرة كبقر وشجر وخرز واختلفوا أيضا في الذي في الكهف كما يأتي إلا أن حمزة والكسائي جريا فيه على ضم الحرفين كما ضما هنا وفي يس وعاصم وحده جرى على الفتحتين في الجميع ونافع وابن كثير وابن عامر ضموا في الكهف وحدها وزاد أبو عمرو إسكان الميم فيها وكل ذلك لغات وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (وليقولوا دارست) ، على وزن فاعلت أي دارست غيرك هذا الذي جئتنا به والباقون بلا ألف-درست-أي قرأت وهو في الرسم بغير ألف كما في (جاعل الليل) ، إلا أن ا لألفات كثير حذف في أوساط الكلم من الرسم ثم ذكر قراءة أخرى فقال
658وَحَرِّكْ وَسَكنْ (كَـ)ـافِيًا وَاكْسِرِ انَّهَا (حِـ)ـمى (صَـ)ـوْبِهِ بِالْخُلْفِ (دَ)رَّ وَأَوْبَلاَأي حرك السين أي افتحها وسكن التاء فقل درست على وزن خرجت فالتاء على هذه القراءة هي تاء التأنيث الساكنة اللاحقة لأواخر الأفعال الماضية والتاء في القراءتين السابقتين تاء الخطاب المفتوحة ومعنى هذه القراءة أي امحيت هذه الآيات وعفت ومضت عليها دهور فكانت من أساطير الأولين فأحييتها أنت وجئتنا بها وكافيا حال ثم قال واكسر أنها أراد (أنها إذا جاءت لا يؤمنون) ، فألقى حركة الهمزة في أنها على الراء الساكنة من اكسر فيجوز كسر الراء وفتحها على بناء حركة الهمزة المنقولة وفيها قراءتان الكسر لأبي عمرو وابن كثير ولأبي بكر بخلاف عنه وهي ظاهرة لأنها استئناف إخبار عنهم أنهم لا يؤمنون إذا جاءت الآية ومعنى-وما يشعركم-وما يدريكم إيمانهم إذا جاءت فحذف المفعول وابتدأ بالإخبار بنفي وقوعه والقراءة الأخرى بالفتح يوهم ظاهرها أنه عذر للكفرة فقيل إن أنها بمعنى لعلها وهي في قراءة أبي-لعلها- ذكر ذلك أبو عبيد وغيره ولعل تأتي كثيرا في مثل هذا الموضع نحو (وما يدريك لعل الساعة قريب)-(وما يدريك لعله يزكى) ، وقيل إنها وما بعده مفعول يشعركم على أن لا زائدة نحو (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) ، وهو قول الكسائي والفراء وقيل هو عذر للمؤمنين أنهم لا يعلمون ما سبق به القضاء على الكفار من أنهم لا يؤمنون إذا جاءت الآية على ما قاله تعالى (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية) ، وقيل التقدير لأنها إذا جاءت أي منعنا من الإتيان بالآية أنهم لا يؤمنون إذا جاءت قال الزجاج زعم سيبويه عن الخليل أن معناها لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وهي قراءة أهل المدينة قال وهذا الوجه أقوى وأجود في العربية والذي ذكر أن لا لغو غالط لأن ما كان لغوا لا يكون بمنزلة لغو ومن قرأ بالكسر فالإجماع على أن لا غير لغو فليس يجوز أن يكون معنى لفظه مرة لنفي ومرة لإيجاب وقد أجمعوا على أن معنى أن ههنا إذا فتحت معنى لعل قلت وقد تكلم أبو علي في الاصطلاح على هذا واقتصر لمن قال أن لا لغو واختار أن يكون التقدير لأنها أي فلا نؤتيهموها لإصرارهم على كفرهم عند ورودها فتكون هذه الآية كقوله تعالى (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) ، أي بالآيات المقترحة وقول الناظم حمى صوبه أضاف حمى إلى الصوب وهو نزول المطر والهاء في صوبه للكسر المفهوم من قوله واكسر ودر أي تتابع صبه وسيلانه وأوبل أي صار ذا وبل وقد مضى الكلام فيه في قوله جودا وموبلا في الإدغام الصغير وأشار إلى ظهور حجة قراءة الكسر والله أعلم
659وَخَاطَبَ فِيهَا يُؤْمِنُونَ (كَـ)ـمَا (فَـ)ـشَا وَصُحْبَةُ (كُفْؤٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَصَّلاَفيها أي في هذه الآية وفاعل خاطب تؤمنون جعله مخاطبا لما كان فيه خطاب وقد تقدم نظيره فمن قرأ بالخطاب كان-وما يشعركم-خطابا للكفار ومن قرأ بالغيبة فالخطاب للمؤمنين ويجوز أن يكون للكفار على قراءة الكسر وعلى تقدير لعل والخطاب في الشريعة وصله صحبة كفؤ يعني في قوله تعالى (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) ، الخطاب المرسل إليهم والغيبة ظاهرة والله أعلم
660وَكَسْرٌ وَفَتْحٌ ضُمَّ فِي قِبَلاً (حَـ)ـمى ظَهِيرًا وَلِلْكُوفِيِّ فِي الْكَهْفِ وُصِّلاَضم إما فعل ما لم يسم فاعله أو أمر فإن كان لم يسم فاعله فهو صفة لفتح وحذف مثله بعد قوله وكسر تخفيفا وأراد كسر ضم وفتح ضم أي القاف والباء من قبلا مضمومتان فهو كقوله تعالى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) ، وهذه الصفة المقدرة هي التي سوغت جواز الابتداء بقوله وكسر وفي قبلا خبره وإن كان ضم فعل أمر كان عدولا عن الوجه الأقوى في الإعراب مع إمكانه إلى الوجه الأضعف حين رفع وكسر وفتح وكان الوجه نصبهما لأنهما مفعول ضم والظاهر أنه قصد هذا الوجه وغفل عن ضعف الرفع في مثل هذا فقد تكرر منه هذا النظم في قوله المتقدم والليسع الحرفان حرك وفاعل حمى ضمير الضم المفهوم من قوله ضم وظهيرا حال منه أو مفعول به أي حمى من كان له ظهيرا أي سعينا يحتج له وينصره وإذا كان حلا فمعناه أن قراءة الضم ظهرت على الأخرى بكثرة وجوهها والخلاف في قوله تعالى (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) ، وفي الكهف (أو يأتيهم العذاب قبلا) ، يقرآن بضم القاف والباء وبكسر القاف وفتح الباء قيل القراءتان بمعنى واحد أي عيانا وقيل المضموم هنا جمع قبيل وهو الكفيل أي كفلاء بما وعدناهم والقبيل أيضا الجماعة أي جماعات تشهد بصدقك قال الفراء في سورة الأنعام قبلا جمع قبيل وهو الكفيل قال وإنما اخترت ههنا أن يكون القبيل في معنى الكفالة لقولهم (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) ، يضمون ذلك قال وقد يكون قبلا من قبل وجوههم كما تقول أتيتك قبلا ولم أك دبرا وقد يكون القبيل جمعا للقبيلة كأنك قلت أو تأتي بالله والملائكة قبيلة قبيلة وجماعة جماعة وقال في الكهف-قبلا-عيانا وقد يكون قبلا بهذا المعنى وقد يكون قبلا كأنه طوائف من العذاب مثل قبيل وقبل قال أبو علي قال أبو زيد يقال لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا وقبلا وقبليا وقبيلا كله واحد وهو المواجهة ثم أتبع ذلك بكلام طويل مفيد رحمه الله
661وَقُلْ كَلِماَتٌ دُونَ مَا أَلِفٍ (ثَـ)ـوَى وَفي يُونُسٍ وَالطَّوْلِ (حَـ)ـامِيهِ (ظَـ)ـلَّلاَيعني قرأ هؤلاء كلمة بالإفراد وهو يؤدي معنى الجمع كما تقدم في-رسالاته-في المائدة ويأتي له نظائر وأراد (وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا)-(إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون)-(وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار) ، أفرد الكوفيون الثلاثة ووافقهم ابن كثير وأبو عمرو في يونس والطول وما في قوله دون ما ألف زائدة
662وَشَدَّدَ حَفْصٌ مُنْزَلٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحُرِّمَ فَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ (إ)ذْ (عَـ)ـلاَأراد (أنه منزل من ربك بالحق) ، التخفيف والتشديد لغتان من أنزل ونزل وحرم بفتح الحاء والراء على إسناد الفعل إلى الله وبضم الحاء وكسر الراء على بناء الفعل للمفعول وكذا توجيه الخلاف في-فصل لكم-الذي قبله وهو قوله
663وَفُصِّلَ (إِ)ذْ (ثَـ)ـنَّى يَضِلُّونَ ضَمَّ مَعْ يَضِلُّوا الذِي فِي يُونُسٍ (ثَـ)ـاِبتًا وَلاَفقراءة نافع وحفص بإسناد الفعلين إلى الفاعل وقراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر بإسنادهما إلى المفعول وقراءة حمزة والكسائي وأبي بكر بإسناد فصل إلى الفاعل وإسناد حرم إلى المفعول ولم يأت عكس هذا ومعنى إذ ثنى أي أعاد الضمير في فصل إلى اسم الله تعالى قبله فهو مثن بذكره ويقال ضل في نفسه وأضل غيره وأراد (وإن كثيرا ليضلون)-(ربنا ليضلوا عن سبيلك) ، في يونس ولا خلاف في فتح التي في صاد (إن الذين يضلون عن سبيل الله) ، وسيأتي الخلاف في التي في إبراهيم وغيرها وقوله ثابتا حال من مفعول ضم وولا تمييز أي نصرا أو يكون حالا على تقدير ذا ولا وساق الناظم رحمه الله هذه الأبيات الثلاثة على خلاف ترتيب التلاوة ولكن على ما تهيأ له نظمه وكان يمكنه أن يقول ، (وشدد حفص منزل وابن عامر وفي كلمات القصر للكوف رتلا) ، (وفي يونس والطول ظلل حاميا وفصل فتح الضم والكسر ثق ألا) ، (وحرم إذ علا يضلون ضم مع يضلوا الذي في يونس ثابتا ولا)
664رِسَالاَتُ فَرْدًا وَافْتَحُوا دُونَ عِلَّةٍ وَضَيْقًا مَعَ الْفُرْقَانِ حَرِّكُ مُثْقِلاَيريد قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) ، وجه الإفراد والجمع فيه كما سبق في (فما بلغت رسالته) ، في سورة المائدة وتكلمنا ثم على فتح التاء وخفضها وقوله وضيقا مع الفرقان أراد-يجعل صدره ضيقا حرجا-(إذا ألقوا منها مكانا ضيقا) ، شدد الياء وكسرها كل القراء سوى ابن كثير والقراءتان كما سبق في الميْت والميِّت ثم تمم الكلام فقال
665بِكَسْرٍ سِوَى المَكِّي وَرَا حَرَجاً هُنَا عَلَى كَسْرِهَا (إ)لْف (صَـ)ـفَا وَتَوَسَّلاَبين التحريك أنه بالكسر ولو لم يبين لكان فتحا لإطلاقه وقوله سوى المكي مستثنى من محذوف أي لكل سوى المكي والرواية بكسر التنوين وإلا لجاز أن يكون بكسر مضافا إلى سوى المكي وقوله ورا حرجا أراد وراء حرجا بالمد وإنما قصره ضرورة يريد (ضيقا حرجا) ، كسر راءه نافع وأبو بكر وفتحها الباقون وهما بمعنى واحدا عند قوم وقيل هما كدنف ودنف يحتاج الفتح إلى تقدير مضاف أي ذا حرج لأنه مصدر والكسر اسم فاعل كحذر وحذر وقال الشيخ وإذا تضايق الشجر والتف فلم تطق الماشية تخلله لتضايقه سما حرجا وحرجة فشبه به قلب الكافر لضيقه عن الحكمة والإلف الأليف وصفا أخلص يعني على كسر هذه الراء قاريء أليف مخلص متوسل إلى الله تعالى أي متقرب إليه وقوله هنا زيادة في البيان والله أعلم
666وَيَصْعَدُ خِفٌّ سَاكِنٌ (دُ)مْ وَمَدُّهُ (صَـ)ـحِيحٌ وَخِفُّ الْعَيْنِ (دَ)اوَمَ (صَـ)ـنْدَلاَأي ذو خف أي ذو حرف خفيف ساكن وهو الصاد في قراءة ابن كثير والباقون على تحريك الصاد بالفتح وتشديدها دم يعني على القراءة به ثم ذكر أن شعبة زاد مدا يعني بعد الصاد وأنه وابن كثير معا خففا العين فقرأ ابن كثير (كأنما يصعد) ، على وزن يذهب ويعلم وهو ظاهر لأنه مضارع صعد كعلم وقرأ شعبة يصاعد أصله يتصاعد فأدغم التاء في الصاد وقرأ الجماعة (يصعد) ، بتشديد الصاد والعين أصله يتصعد فأدغم ومفعول قوله داوم محذوف أي داوم خف الصاد في قراءة ابن كثير وداوم المد بعدها في قراءة أبي بكر وصندلا حال أي عطرا مشبها صندلا
667وتَحْشُرَ مَعْ ثَانٍ بِيُونُسَ وَهُوَ فِي سَبَأَ مَعْ نَقُولُ الْيَا فِي الأَرْبَعِ (عُـ)ـمِّلاَيعني يحشر الذي بعد يصعد وهو (ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن) ، والثاني في يونس هو الذي بعده (كأن لم يلبثوا) ، وقوله وهو يعني يحشر في سبأ مصاحب لقوله يقول يعني (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة) ، الياء في الأربع يعني في يقول مع يحشر في السور الثلاث لحفص والباقون بالنون ووجه القراءتين ظاهر ولا خلاف في الأول بيونس والأول بالأنعام أنهما بالنون وقوله ونحشر مع ما بعده مبتدأ والياء مبتدأ ثان وخبره عملا أي اعمل فيها وقوله في الأربع من باب إقامة الظاهر مقام المضمر وفيه زيادة فائدة العددية التي اندرج بسببها لفظ يقول فيما فيه الخلاف لأن العدة لا تتم إلا بيقول وعمل وأعمل واحد كأنزل ونزل وقصر لفظ الياء ونقل حركة الهمزة في الأربع وأبدل همزة سبا ألفا بعد أن أسكنها بنية الوقف على قراءة قنبل كما يأتي وكل ذلك سبق له نظائر والله أعلم
668وَخَاطَبَ شَامٍ تَعْلَمُونَ وَمَنْ تَكُونُ فِيهَا وَتَحْتَ النَّمْلِ ذِكْرُهُ (شُـ)ـلْشُلاَيعني (وما ربك بغافل عما يعملون)-(وربك الغني) ، وجه الخطاب أن بعده (إن يشأ يذهبكم) ، وما بعده إلى آخر الآية والغيب رد على ما قبله من قوله (ولكل درجات مما عملوا) وأما (من يكون له عاقبة الدار) ، هنا وفي القصص فتذكيره وتأنيثه على ما سبق في (ولا تقبل منها شفاعة) ، لأن تأنيث العاقبة غير حقيقي وشلشلا أي خفيفا
669مَكَانَاتِ مَدَّ النُّونَ فِي الْكُلِّ شعْبَةٌ بِزَعْمِهِمُ الْحَرْفَانِ بِالضَّمِّ رُتِّلاَمكانات جمع مكانة وقد تقدم الكلام في نظير ذلك من الجمع والإفراد من-كلمات-و-رسالات-وغيرهما وقوله مد النون لأنه إذا أشبع فتحها صارت ألفا فكان المد فيها وهو كما سبق في سورة المائدة وفي العين فامدد وقوله في الكل يعني حيث جاء والزعم بفتح الزاي وضمها لغتان وقوله بزعمهم الحرفان مبتدأ نحو السمن منوان بدرهم أي الموضعان منه رتلا بالضم وليس مثل ما تقدم من قوله واليسع الحرفان فقد سبق أنه لو قال ثم الحرفين بالنصب لكان أجود وأما هنا فالرفع لا غير
670وَزَيَّنَ فِي ضَمٍّ وَكَسْرٍ وَرَفْعُ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ بِالنَّصْبِ شَامِيُّهُمْ تَلاَ0
671وَيُخْفَضُ عَنْهُ الرَّفْعُ فِي شُرَكَاؤُهُمْ وَفِي مُصْحَفِ الشَّامِينَ بِالْيَاءِ مُثِّلاَيعني قوله تعالى (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) ، قراءة الجماعة على أن شركاؤهم فاعل زين والمفعول قتل المضاف إلى أولادهم وقراءة ابن عامر على أن زين فعل لم يسم فاعله وقتل بالرفع على أنه أقيم مقام الفاعل وأولادهم بالنصب مفعول قتل لأنه مصدر وشركائهم بالجر على إضافة قتل إليه أي قتل شركائهم أولادهم كقولك عرف ضرب زيد عمرا أضيف المصدر إلى الفاعل فانجر وبقي المفعول منصوبا لكن في قراءة ابن عامر زيادة على هذا وهو تقديم المفعول على الفاعل المجرور بالإضافة وسيأتي توجيه ذلك فقوله وزين مبتدأ وفي ضم وكسر في موضع الحال أي كائنا في ضم الزاي وكسر الياء ورفع قتل عطف على وزين أولادهم كذلك على حذف حرف العطف وبالنصب في موضع الحال أي منصوبا وشاميهم تلا جملة من مبتدأ ثان وخبر هي خبر وزين وما بعده أي تلا على هذه الصورة أو يكون وزين وما بعده مفعولا لقوله تلا مقدما عليه أي ابن عامر تلا ذلك وكان التعبير على هذا التقدير يقتضي أن يقول وقتل بالرفع فلم يتزن له فقلب اللفظ لأمن الإلباس لأن من تلا قتل بالرفع فقد تلا الرفع وقيل ورفع قتل مبتدإ خبره محذوف أي وله رفع قتل وله أولادهم بالنصب وقوله وفي مصحف الشامين حذف منه ياء النسبة المشددة وهذا سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في باب التكبير في قوله وفيه عن المكين أراد أن مصحف أهل الشام الذي أرسله عثمان رضي الله عنه إليهم رسم فيه شركائهم بالياء فدل ذلك على أنه مخفوض فهو شاهد لقراءته كذلك ولكن لا دلالة فيه على نصب أولادهم فهو الذي استنكر من قراءته فيحتمل أن يكون أولادهم مجرورا بإضافة المصدر إلى مفعوله وشركائهم صفة له قال أبو عمرو الداني في مصاحف أهل الشام (أولادهم شركائهم) ، بالياء وفي سائر المصاحف شركاؤهم بالواو قال أبو البرهسم في سورة الأنعام في إمام أهل الشام وأهل الحجاز أولادهم شركائهم وفي إمام أهل العراق شركاؤهم قلت ولم ترسم كذلك إلا باعتبار قراءتين فالمضموم عليه قراءة معظم القراء ويحتمل أيضا قراءة أبي عبد الرحمن السلمي على إسناد زين إلى القتل كما فعل ابن عامر ولكنه خفض الأولاد بالإضافة ورفع شركاؤهم على إضمار فعل كأنه قيل من زينه فقال شركاؤهم فهو مثل ما يأتي في سورة النور-يسبح له فيها-بفتح الياء ثم قال رجال أي يسبحه رجال وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر وأما خفض شركائهم فيحتمل قراءة ابن عامر ويحتمل أن يكون نعتا للأولاد وعلى قراءة أبي عبد الرحمن السلمي السابقة وهذا أوجه من القراءة لا استبعاد فيه لفظا ولا معنى قال الزجاج وقد رويت شركائهم بالياء في بعض المصاحف ولكن لا يجوز إلا على أن يكون شركاؤهم من نعت أولادهم لأن نعت أولادهم شركاؤهم في أموالهم وقال ابن النحاس فيها أربع قراءات فذكر ما ذكرناه ونسب قراءة السلمي إلى الحسن أيضا ونسب القراءة الرابعة إلى أهل الشام فقال وحكى غير أبي عبيد عن أهل الشام أنهم قرءوا زين بالضم قتل بالرفع وخفض أولادهم شركائهم بالخفض أيضا على أن يبدل شركائهم من أولدهم لأنهم شركاؤهم في النسب والميراث وذكر الفراء القراءتين الأوليين برفع شركائهم ثم قال وفي بعض مصاحف أهل الشام شركائهم بالياء فإن تكن مثبتة عن الأولين فينبغي أن يقرأ زين ويكون الشركاء هم الأولاد لأنهم منهم في النسب والميراث فإن كانوا يقرءون زين بفتح الزاي فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون أتيتها عشايا ويقولون في تثنية حمراء حمرايان فهذا وجه أن يكونوا أرادوا (زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم) ، يعني بياء مضمومة لأن شركائهم فاعل زين كما هو في القراءة العامة قال وإن شئت جعلت زين فعلا إذا فتحته لا يلبس ثم يخفض الشركاء باتباع الأولاد قلت يعني تقدير الكلام زين مزين فقد اتجه شركائهم بالجر أن يكون نعتا للأولاد سواء قريء زين بالفتح أو بالضم وتفسير الشركاء على قراءة الجماعة هم خدم الأصنام أو الشياطين زينوا للكفرة أن يقتلوا أولادهم بالوأد وبالنحر للآلهة وعلى قراءة ابن عامر يكون الشركاء هم القاتلين لأنهم لما زينوا للمشركين قتل أولادهم صاروا كأنهم كانوا هم القاتلين في المعنى والله أعلم
672وَمَفْعُولُهُ بَيْنَ المُضَافَيْنِ فَاصِل وَلَمْ يُلْفَ غَيْرُ الظُرْفِ فِي الشِّعْرِ فَيْصَلاَيعني أن المفعول في قراءة ابن عامر وهو-أولادهم-الذي هو مفعول القتل وقع فاصلا بين المضاف والمضاف إليه لأن قتل مضاف إلى شركائهم وأكثر النحاة على أن الفصل بين المضافين لا يجوز إلا بالظرف في الشعر خاصة فهذا معنى قوله ولم يلف أي لم يوجد غير الظرف فيصلا بين المضاف والمضاف إليه وأما في كلام غير الشعر فلم يوجد الفصل بالظرف فكيف بغيره ذكر الناظم-رحمه الله-ما اعترض به على قراءة ابن عامر ثم مثل بالظرف فقال
673كَلِلَّهِ دَرُّ الْيَوْمَ مَنْ لاَمَهَا فَلاَ تَلُمْ مِنْ سُلِيمِي النَّحْوِ إِلاَّ مُجَهِّلاَأراد بيتا أنشده سيبويه وغيره وهو لعمرو بن قميئة ، (لما رأت ساتيذ ما استعبرت لله در اليوم من لامها) ، يريد لله در من لامها اليوم أنشد سيبويه أيضا لأبي حية النميري ، (كما خط الكتاب بكف يوما يهودي ) ، أي بكف يهودي يوما وأنشد لدرنا بنت عتبة ، (هما أخوا في الحرب من لا أخا له ) ، أي أخوا من لا أخا له في الحرب قال وقال ذو الرمة ، (كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس أصوات الفراريخ) ، أي كأن أصوات أواخر الميس وكل هذه الأبيات فصل فيها بالظرف الصريح وبالجار والمجرور بين المضاف والمضاف إليه ولا يجوز ذلك في غير الشعر قال سيبويه في قوله (يا سارق الليلة أهل الدار ) بخفض الليلة على التجوز ونصب أهل على المفعولية ولا يجوز يا سارق الليلة أهل الدار إلا في شعر كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور ثم وقال مما جاء في الشعر قد فصل بينه وبين المجرور قول عمرو بن قميئة فذكر الأبيات المتقدمة وغيرها ثم قال وهذا قبيح ويجوز في الشعر على هذا مررت بخير وأفضل من ثم قال أبو الفتح ابن جني الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وحرف الجر كثير لكنه من ضرورة الشاعر وقوله مليم هو اسم فاعل من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه أي من مليم أهل النحو وهو اسم جنس هكذا وقع في روايتنا بلفظ المفرد ولو كان بلفظ الجمع كان أحسن أي من مليمي النحو ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين وتقع كذلك في بعض النسخ وهو الأجود وحذفها إنما جاء من الكاتب لأن الناظم أملى فخفيت الياء على الكاتب لأنها ساقطة في اللفظ أي الذين تعرضوا لإنكار قراءة ابن عامر هذه من النحاة على قسمين منهم من ضعفها ومنهم من جهل قارئها وكلهم قد أتى بما يلام عليه لأنه أنكر قراءة قد صحت عن إمام من أئمة المسلمين لكن من نفى ذلك ولم يجهل فأمره أقرب إذ لم يبلغ علة أكثر من ذلك ومن جهل فقد تعدى طوره فبين أمره ولمه وجهله بما قد خفي عنه فإن هذه القراءة قد نقلها ابن عامر عمن قرأها عليه ولم يقرأها من تلقاء نفسه وسيأتي توجيهها ، قال أبو عبيد وكان عبد الله بن عامر وأهل الشام يقرءونها-زين-بضم الزاي ، (قتل) ، بالرفع-أولادهم-بالنصب ، (شركائهم) ، بالخفض ويتأولونه-قتل شركائهم أولادهم-فيفرقون بين الفعل وفاعله قال أبو عبيد ولا أحب هذه القراءة لما فيها من الاستكراه والقراءة عندنا هي الأولى لصحتها في العربية مع إجماع أهل الحرمين والبصرتين بالعراق عليها وقال أبو علي فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول والمفعول به مفعول المصدر وهذا قبيح قليل في الاستعمال ولو عدل عنها إلى غيرها كان أولى ألا ترى أنه إذا لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام وحال السعة مع اتساعهم في الظروف حتى أوقعوها مواقع لا يقع فيها غيرها نحو (إن فيها قوما جبارين) ، تلقون للهجر حولا كميلا ، (ولا تلحني فيها فإني لحبها أخاك مصاب القلب جم بلا بله) ، ألا ترى أنه قد فصل بين أن واسمها بما يتعلق بخبرها ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف في الكلام وإنما جاء في الشعر فأن لا يجوز في المفعول به الذي لم يتسع فيه بالفصل به أجدر وقال الزمخشري وأما قراءة ابن عامر بالفصل بينهما بغير الظرف فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سمجا مردودا فكيف به في الكلام المنثور فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته ، قال والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض المصاحف-شركائهم-مكتوبا بالياء ولو قريء بجر الأولاد والشركاء لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب ، قلت فإلى هذا الكلام وشبهه أشار الناظم يلوم قائله ثم ذكر وجه هذه القراءة فقال
674وَمَعْ رَسْمِهِ زَجَّ الْقَلُوصَ أَبِي مَزَادَةَ اْلأَخْفَشُ النَّحْوِيُّ أَنْشَدَ مُجْمِلاَأي ومع كون الرسم شاهدا لقراءة ابن عامر وهو جر-شركائهم-وأما نصب الأولاد فليس فيه إلا النقل المحض لأن الرسم كما يحتمل نصب الأولاد يحتمل أيضا جرها كما سبق وهو الذي رجحه أهل النحو على القول باتباع هذا الرسم أي مع شهادة هذا البيت الذي ورد أيضا بالفصل بين المضافين بالمفعول به وهو ما أنشده الأخفش ولعله أبو الحسن سعد بن مسعدة النحوي صاحب الخليل وسيبويه ، (فزججتها بمزجة زج القلوص أبي مزادة) ، أي زج أبي مزادة القلوص فالقلوص مفعول ويروي فزججتها متمكنا ويروي فتدافعت قال الفراء في كتاب المعاني بعد إنشاده لهذا البيت وهذا مما كان يقوله نحويو أهل الحجاز ولم نجد مثله في العربية وقال في موضع آخر ونحويو أهل المدينة ينشدون هذا البيت والصواب زج القلوص بالخفض وقال أبو العلاء أحمد بن سليم المعري في كتاب شرح الجمل واختار قوم أن يفصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالمصدر كما يفصل بينهما بالظرف قال وليس ذلك ببعيد وقد حكى أن بعض القراء قرأ (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) ، على تقدير مخلف رسله وعده قال وزعموا أن عيسى ابن عمر أنشد هذا البيت ، (فزججته متعرضا زج القلوص أبي مزاح) ، قال هكذا الرواية عنه وقد روي أبي مزادة قال أبو علي الفارسي وجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال له أنه قد جاء في الشعر الفصل على حد ما قرأ قال الطرماح ، (يطفن بحوزي المراتع لم ترع بواديه من قرع لقسي الكنائن) ، قال وزعموا أن أبا الحسن أنشد زج القلوص أبي مزادة فهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر قال ابن جني في بيت الطرماح لم نجد فيه بدا من الفصل لأن القوافي مجرورة قال في زج القلوص فصل بينهما بالمفعول به هذا مع قدرته على أن يقول زج القلوص أبو مزادة كقولك سرني أكل الخبز زيد قال وفي هذا البيت عندي دليل على قوة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم وأنه في نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول ألا تراه ارتكب هنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها لا لشيء غير الرغبة في إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول قال أبو الحسن الحوفي احتج ابن الأنباري لهذه القراءة فقال قد جاء عن العرب هو غلام إن شاء الله أخيك ففرق بإن شاء الله ويروى أن عبد الله بن ذكوان قال سألني الكسائي عن هذا الحرف وما بلغه من قرائتنا فرأيته كأنه أعجبه ونزع بهذا البيت ، (تنفى يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهم تنقاد الصياريف) ، فنصب الدراهم ورواه غيره بخفض الدراهم ورفع تنقاد على الصحة قلت وإنما أعجب الكسائي لأنه وافق عنده ما بلغه من جوازه لغة ومثله ما أنشده غيره (فداسهم دوس الحصاد الدائس ) ، أي دوس الدائس الحصاد وفي شعر أبي الطيب (سقاها الحجى سقي الرياض السحائب ) ، أي سقى السحائب الرياض قال أبو الحسن ابن خروف يجوز الفصل بين المصدر والمضاف إليه بالمفعول لكونه في غير محله فهو في نية التأخير ولا يجوز بالفاعل لكونه في محله وعليه قراءة ابن عامر ، قلت وقد أنشد الشيخ أبو العلاء المعري في شرحه بيتا فيه الفصل بالفاعل وبالجار والمجرور معا وهو ، (تمر على ما تستمر وقد شفت غلائل عبد القيس منها صدورها) ، أي شفت عبد القيس غلائل صدورها منها ، وجاء الفصل أيضا بالمنادى المضاف أنشد ابن جني في كتاب الخصائص ، (كأن برذون أبا عصام زيد حمار دق باللجام) ، قال أي كأن برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام ، قلت ووجدت في شعر أسند إلى الفرس معاوية يخاطب به عمرو بن العاص رحمهما الله تعالى ، (نجوت وقد بل المرادى سيفه من ابن أبي شيخ الأباطح طالب) ، أي من ابن أبي طالب شيخ الأباطح ففصل بين مضاف ومضاف إليه وهو صفة لذلك المضاف والمضاف إليه وابن أبي طالب هو علي رضي الله عنه ولا يعد فيما استبعده أهل النحو من جهة المعنى وذلك أنه قد عهد تقدم المفعول على الفاعل المرفوع لفظا فاستمرت له هذه المرتبة مع الفاعل المرفوع تقديرا فإن المصدر لو كان منونا لجاز تقدم المفعول على فاعله نحو أعجبني ضرب عمرا زيد فكذا في الإضافة وقد ثبت جواز الفصل بين حرف الجر ومجروره مع شدة الاتصال بينهما أكثر من شدته بين المضاف والمضاف إليه في نحو قوله تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم)-(فبما رحمة من الله) ، فإن قالوا ما زائدة فكأنها ساقطة في اللفظ لسقوطها في المعنى ، قلت والمفعول المقدم هو في غير موضعه معنى فكأنه مؤخر لفظا ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت في الكلام المنثور مثله لأنه ناف ومن أسند هذه القراءة مثبت والإثبات مرجح على النفي بإجماع ولو نقل لي هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله في النثر لرجع عن قوله فما باله لا يكتفي بناقلي القراءة عن التابعين عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ثم الذي حكاه ابن الأنباري فيه الفصل في غير الشعر بجملة مستقلة مركبة من فعل وفاعل مع حرف شرط مما يقوي ما ذكرناه أنهم التزموا أن الفصل بالجار والمجرور لم يأت إلا في الشعر وقد روت الرواة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الفصل بهما وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم فهل أنتم تاركوا لي صاحبي و تاركوا لي أمرائي ، أي تاركوا صاحبي لي وتاركوا أمرائي لي فلم يبق لهم تعلق بأنه لم يأت في الكلام المنثور فصل بالمفعول ولا بالظرف ونحوه والله أعلم ، قال أبو القاسم الكرماني في لباب التفاسير قراءة ابن عامر وإن ضعفت في العربية للإحالة بين المضاف والمضاف إليه فقويت في الرواية عالية وفي كتاب الخصائص لابن جني بأن ما يرد عن العربي مخالفا للجمهور إذا اتفق شيء من ذلك نظر في حال العربي وفيما جاء به فإن كان فصيحا وكان ما أورده مما يقبله القياس فإن الأولى أن يحسن الظن به وقد يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن أبي الحجاج عن أبي خليفة الفضل ابن الحباب قال قال ابن عون عن ابن سيرين قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب بالجهاد وغزو فارس والروم ولهيت عن الشعر وروايته فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنت العرب في الأمصار راجعوا رواية الشعر فلم يثوبوا إلى ديوان مدون ولا كتاب مكتوب وألفوا ذلك وقد هلك من هلك من العرب بالموت والقتل فحفظوا أقل ذلك وذهب عنهم كثيره قال وحدثنا أبو بكر عن أبي خليفة قال قال يونس بن حبيب قال أبو عمرو بن العلاء ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير قال أبو الفتح إذا كان الأمر كذلك لم يقطع على الفصيح يسمع منه ما يخالف الجمهور بالخطأ ما وجد طريق إلى تقبل ما يورده إذا كان القياس يعاضده ، قلت وقد بينا وجه القياس في هذه القراءة وقد حان نقلها من طريق صحيح وبالله التوفيق ، وقول الناظم رحمه الله أبي مزادة الأخفش بفتح الهاء من مزادة أراد أن يأتي بلفظ الشاعر فأبقى الهاء ساكنة فلقيها سكون اللام في الأخفش فلزم تحريكها ففتحها على حد قوله سبحانه (الم الله) ، في أول آل عمران ولو أبدل الهاء تاء على الأصل وفتحها لكان له وجه لأنه واصل وشاعرها أبدلها هاء للوقف ولكن كان يفوت لفظ الحكاية وكان بعض الشيوخ يجيزوا قراءته بالتاء ولم نسمعه من الشيخ أبي الحسن رحمه الله إلا بالهاء واتفق أني رأيت الشيخ الشاطبي رحمه الله في المنام وسألته عنه أهو بالتاء أو بالهاء فقال بالهاء والله أعلم
675وَإِنْ يَكُنَ أنِّثْ (كُـ)ـفْؤَ صِدْقٍ وَمَيْتَةٌ (دَ)ـنَا (كَـ)ـافِيًا وَافْتَحْ حِصَادِ (كَـ)ـذِي (حُـ)ـلاَفتح نون يكن بإلقاء حركة همزة أنث إليها ثم حذف الهمزة وكسر الدال من حصاد على حكاية لفظ القرآن وكفؤ صدق منصوب على الحال وكذا كافيا وكذى حلا في موضع الحال أي كائنا كصاحب حلا وهو جمع حلية أراد (وإن تك ميتة فهم فيه شركاء) ، فرفع ميتة على أن كان تامة أي وإن يوجد في بطنها ميتة وتأنيث ميتة غير حقيقي فلهذا ذكر ابن كثير ومن نصب ميتة وأنث تكن قدر وإن تكن الأجنة ميتة وهي قراءة أبي بكر وقراءة الباقين على وإن يكن ما في بطونها ميتة وقول الناظم رحمه الله وميتة يعني بالرفع وإطلاقه دال على ذلك والحصاد بفتح الحاء وكسرها لغتان فالفتح قراءة ابن عامر وأبي عمرو وعاصم ورمزه في البيت الآتي وهو
676(نَـ)ـمَا وَسُكُونُ المَعْزِ (حِصْنٌ) وَأَنَّثُوا يَكُونُ (كَـ)ـمَا (فِـ)ـي (دِ)ينِهِمْ مَيْتَةٌ (كَـ)ـلاَأشار بقوله نما إلى عاصم ومعناه اشتهر وانتشر من نما المال وغيره ينمي إذا زاد والمعز بإسكان العين وفتحها لغتان اسم جمع لماعز كتجر وخدم ومن أنث يكون ورفع ميتة جعل كان تامة ومن نصب ميتة وأنث يكون فعلى ما تقدم في مثلها في (ثم لم تكن فتنتهم) ، بنصب الفتنة وتأنيث تكن أنث الفعل لتأنيث الخبر أو على تقدير إلا أن تكون الأنعام أو الجنة أو النفس ميتة ومن نصب ميتة وذكر يكون قدر إلا أن يكون الموجود ميتة وكلا معناه حرس لأن الرفع مع التأنيث قراءة واضحة بخلاف التأنيث مع النصب وموضع قوله إن يكون ميتة نصب على البدل من محرما كما تقول لا أحد كريما إلا زيدا أو عمرا فقوله (أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا) ، كلها معطوفات على موضع أن يكون ميتة سواء قرئت صفة بالنصب أو بالرفع كأنه قال لا أجد محرما إلا ميتة أو دما أو لحم خنزير أو فسقا ويجوز على قراءة ميتة بالنصب أن تكون المنصوبات بعدها عطفا عليها والله أعلم
677وَتَذَّكَّرُونَ الْكُلُّ خَفَّ (عَـ)ـلَى (شَـ)ـذَا وَأَنَّ اكْسِرُوا (شَـ)ـرْعًا وَبِالْخِفِّ (كُـ)ـمِّلاَ) الكلالكل يعني حيث جاء والتخفيف في الذال لا في الكاف الأصل تتذكرون فمن خفف حذف التاء الثانية ومن شدد أدغمها في الذال والشذا بقية القوة والشدة أي خف على قوة من الحجج (وأن هذا صراطي مستقيما) ، كسرة على لاستئناف والفتح على حذف حرف الجر أي ولأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه قال أبو علي من فتح أن فقياس قول سيبويه أنه حملها على فاتبعوه لأنه قال في قوله (لإيلاف قريش)-(وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون)-(وأن المساجد لله) ، إن المعنى لهذا فليعبدوا رب ولأن هذه أمتكم ولأن المساجد لله (فلا تدعوا مع الله أحدا) ، فكذلك قوله ولـ (أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) ، قال ومن خفف يعني وفتح فإن المخففة في قوله تتعلق بما تتعلق به المشددة وموضع هذا رفع بالابتداء وخبره صراطي وفي أن ضمير القصة والحديث والفاء في قوله فاتبعوه مثل الفاء في قولك بزيد فامرر وعلى قراءة الكسر عاطفة جملة على جملة وعلى القول الأول زائدة وقال الفراء تفتح إن بوقوع اتل عليها وإن شئت جعلتها خفضا يريد (ذلكم وصاكم به)-(وبأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) ، وقول الناظم وبالخف كملا أي كملت وجوه القراءة فيها لأنها ثلاثة وقد ذكرها والله أعلم
678وَيَأْتِيَهُمْ (شَـ)ـافٍ مَعَ النَّحْلِ فَارَقُوا مَعَ الرُّومِ مَدَّاهُ خَفِيفًا وَعَدَّلاَيعني (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) ، هنا وفي النحل قرأهما بالياء حمزة والكسائي على التذكير والباقون بالتاء ووجههما ظاهر لأن تأنيث الجماعة غير حقيقي وقرأ حمزة والكسائي أيضا (فارقوا دينهم) ، وفي الروم على وزن قاتلوا والباقون-فرقوا-بتشديد الراء من التفريق والأول من المفارقة وهما متقاربان لأن من فرق دينه فآمن ببعض وكفر ببعض فقد فارق الدين المأمور به والله أعلم
679وَكَسْرٌ وَفَتْحٌ خَفَّ فِي قِيَماً ذَكَا وَيَا آتُهَا وَجْهِي مَمَاتِيَ مُقْبِلاَخف صفة وفتح أي افتح من غير تشديد فالقراءة الأخرى بالكسر والتشديد في الياء مع فتح القاف وقد تقدم الكلام في (قيما) ، في سورة النساء ثم ذكر من ياءات الإضافة ياءين أحدهما (وجهي) ، للذي فتحها نافع وابن عامر وحفص والثانية ومماتي فتحها نافع وحده وقول الناظم مقبلا حال من محذوف تقديره خذه مقبلا عليه وهو اعتراض بين عدد الياءات ويجوز أن يكون التقدير أتى ذلك مقبلا وظاهر الكلام فيه معنى حسن فإن الوجه معناه القصد فكأنه قال وجهي مماتي في حال كون الممات مقبلا إلى الإنفكاك لي منه والله أعلم
680وَرَبِّي صِرَاطِي ثُمَّ إِنِّي ثَلاَثَةٌ وَمَحْيَايَ وَالإِسْكَانُ صَحَّ تَحَمُّلاَأراد (ربي إلى صراط) ، فتحها نافع وأبو عمرو و(صراطي مستقيما) ، فتحها ابن عامر وحده إني في ثلاثة مواضع (إني أمرت) ، فتحها نافع وحده (إني أخاف إن عصيت)-(إني أراك وقومك) ، فتحهما الحرميان وأبو عمرو و-محياي-أسكنها قالون وورش بخلاف عنه فهي ثمان ياءات ثم أكد صحة الإسكان في-محياي-من جهة النقل بقوله والإسكان صح تحملا لأن النحاة طعنوا فيه كما سبق ذكره ونصب تحملا على التمييز وإنما قال ذلك لأجل ما قاله أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز قال أوجه الروايتين وأولاهما بالصحة رواية من روى الإسكان إذ هو الذي رواه ورش عن نافع دون غيره وإنما الفتح اختيار من ورش وقد كان له اختيار يأخذ به يخالف فيه ما رواه عن نافع وربما لم يبينه للقاريء متحملة عنه على أنه يرويه عن نافع وقال أبو الأزهر وداود بن أبي طيبة أمرني عثمان بن سعيد أن أنصبها مثل مثواي وزعم أنه أقيس في النحو وقال يونس بن عبد الأعلى قال لي عثمان بن سعيد وأحب إلي أن ينصب-محياي-ويوقف-مماتي- ، قلت ونعم ما اختاره ورش من فتح ياء-محياي-وقد أتى في باب ياءات الإضافة تقرير ذلك وفيها زائدة واحدة (وقد هدان) -(ولا أخاف) ، أثبتها في الوصل أبو عمرو وحده وانتظمت لي موضع قوله والإسكان صح تحملا فقلت زيدت-قد هداني-لمن تلا